"عفرين لأهلها": تزايد أعداد العائدين الكرد وسط ترقب الإعلان عن عودة جماعية
تزايدت حركة العائدين إلى عفرين، التي بدأت في كانون الأول/ ديسمبر، وارتفعت نسبة الكرد إلى نحو 60 أو 70 بالمئة، كما شهدت بعض القرى عودة أكثر من 80 بالمئة من سكانها.
في الخامس من نيسان/ أبريل الحالي، عادت أمينة علي، 58 عاماً، مع زوجها إلى ناحية معبطلي في ريف عفرين، بعد رحلة نزوح استمرت سبع سنوات، عندما قررت العائلة مغادرة منزلها أثناء عملية “غصن الزيتون” العسكرية، التي أطلقتها فصائل الجيش الوطني السوري (المعارض) عام 2018 ضد وحدات حماية الشعب الكردية.
العودة كانت “مشحونة بالمشاعر وأشبه بالحلم الذي تحقق”، قالت علي لـ”سوريا على طول” عبر اتصال واتساب، بينما كانت تجلس مع جارتها في حديقة منزلها. “كنت أبكي طوال الطريق إلى عفرين، لم أصدق أننا عائدون إلى منزلنا، وعندما اقتربت من مدخل عفرين شعرت كأن ثقلاً انزاح عن صدري، لأنني تنشقت هواء عفرين بعد سبع سنوات من الفراق”.
التف الجيران حول السيدة العفرينية، وبكى بعضهنّ تأثراً بالموقف، بينما علت الزغاريد من أخريات، حتى “امتزج صوت البكاء مع الزعاريد في لحظة مشحونة بالعواطف”.
ورغم أن العودة لا ترتبط -مباشرة- بالاتفاق الذي تم مطلع الشهر الحالي بين الحكومة السورية وقوات سوريا الديمقراطية (قسد)، إلا أن أعداد العائدين تزايدت بعد الاتفاق. منذ سقوط نظام الأسد في كانون الأول/ ديسمبر 2024، شجعت الإدارة الجديدة للبلاد أهالي عفرين على العودة إلى ديارهم، وقدمت العديد من رسائل الطمأنة، إلا أن أهم هذه الرسائل تجسدت بتوصل الرئيس أحمد الشرع إلى اتفاق مع قائد “قسد”، مظلوم عبدي، ومن ثم اتفاق حلب.
عاشت عائلة أمينة علي عدة تجارب نزوح قبل أن ينتهي بها المطاف في مسقط رأسها. في 11 آذار/ مارس 2018، نزحت العائلة من المعبطلي باتجاه مدينة عفرين، عندما اقتربت فصائل الجيش الوطني من البلدة، وبعدها بأربعة أيام انتقلت العائلة إلى بلدة تل رفعت في ريف حلب الشمالي، وبقيت هناك حتى الأول من شهر كانون الأول/ ديسمبر 2024. بالتزامن مع عملية “ردع العدوان”، التي انتهت بسقوط النظام، أطلقت فصائل الجيش الوطني عملية في محافظة حلب، بما في ذلك تل رفعت، ما دفع عائلة علي إلى النزوح مجدداً إلى محافظة الرقة، شمال شرق سوريا، وبقيت هناك لمدة ثلاثة أشهر، قبل أن تعود إلى حلب ومنها إلى المعبطلي بريف عفرين.
منذ عودتها إلى منزلها، تجتمع علي مع جاراتها صبيحة كل يوم في منزل إحداهنّ لارتشاف القهوة وتبادل أطراف الحديث، “تماماً كما كنا نفعل قبل النزوح”، وفقاً لها.
في شباط/ فبراير الماضي، عادت قوات الأمن العام التابعة للإدارة السورية الجديدة إلى عفرين، ما أعطى بارقة أمل للكرد، بأن تضع الحكومة السورية حداً لانتهاكات فصائل الجيش الوطني، لكنّ اتفاق الشرع-عبدي هو أساس عودة اللاجئين، كونه تناول ضمان عودة كافة المهجرين، ناهيك عن انسحاب العديد من الفصائل من عفرين في الأسابيع التالية للاتفاق.
وفي هذا السياق، قال أحمد مستو، ناشط من مدينة عفرين، أن “نحو 70 إلى 80 بالمئة من فصائل الجيش الوطني قد غادرت عفرين حتى الآن”.
في شهر سقوط الأسد عاد نحو نازح إلى عفرين، واستمرت حركة العائدين حتى ارتفعت نسبة الكرد في عفرين إلى نحو 60 أو 70 بالمئة، كما قال إبراهيم شيخو، مدير منظمة حقوق الإنسان عفرين- سوريا، مشيراً إلى أن بعض القرى شهدت عودة من 80 إلى 90 بالمئة من سكانها، بينما كانت النسبة أقل في قرى أخرى.
في المقابل، تراجع عدد العائلات النازحة من مناطق سورية أخرى إلى ناحية شران بريف عفرين إلى 2400 عائلة، بعدما كان عددها قبل سقوط النظام نحو 18 ألف عائلة، بحسب محمد عثمان جلوسي، رئيس المكتب الإغاثي في مجلس الناحية. وفي هذا السياق، قدّر خليل بكر، رئيس المجلس المحلي لناحية راجو عدد العائلات التي عادت إلى الناحية بنحو 550 إلى 600 عائلة.
وهناك العديد من العائلات التي عادت إلى عفرين خلال أيام عيد الفطر بغرض الزيارة فقط، على أن يعودوا بشكل نهائي بعد خروج كامل فصائل الجيش الوطني من عفرين وخروج النازحين من مناطق سورية أخرى من منازل سكان عفرين الأصليين، كما ذكرت عدة مصادر مدنية.
منذ عودتها إلى بيتها، تحاول أمينة علي إعادة ترتيب منزلها، الذي “لم يبق منه شيئاً سوى الجدران”، لأن العائلة النازحة التي كانت تسكنه “نهبت ما فيه”، بينما يقضي زوجها نهاره في أرضه الزراعية، بين حراثة وعناية وتقليم أشجار، وفقاً للسيدة، التي قالت أن “60 شجرة لوز تعرضت للقطع خلال فترة نزوحنا”، وبالتالي “تحتاج الأرض عدة سنوات حتى تعود إلى ما كانت عليه كما كانت قبل 2018”.
تبدو عائلة علي محظوظة مقارنة بغيرها من عائلات عفرين العائدة، إذ كان من المفترض أن تدفع 150 دولاراً مقابل خروج العائلة التي حازت على المنزل من دون إذن، لكن قبل عودتهم إلى عفرين وصلتهم رسالة من المجلس المحلي بأن منزلهم خالٍ وبإمكانهم استلامه.
رغم كل المآسي التي تكبدتها العائلة، بالإضافة إلى الأضرار المادية بالمنزل، تشعر علي بسعادة غامرة منذ العودة إلى منزلها وأرضها، قائلة: “يوم في منزلي يعادل سنوات من الغربة”، وكلها أمل بأن “يعود كل شيء أفضل مما كان عليه سابقاً”.
في المقابل، حلّت عائلة عزيز حمدو، 28 عاماً، عدة أيام في منزل ابن عمه، لأن عائلة نازحة كانت تقطن في منزله بناحية راجو، “ورفضت الخروج قبل أن الحصول على مبلغ 400 دولار أميركي”، كما قال، مشيراً إلى أنه رضخ لشروطهم، لكن عندما استلم المنزل “تبين أنهم نهبوا كامل محتوياته قبل الخروج منه”.
على خلاف علي وحمدو، لم تشعر شادية سيدو، 40 عاماً، بالسعادة أثناء عودتها إلى عفرين في 20 آذار/ مارس الماضي، لأنها كانت تتمنى أن تكون “العودة جماعية، في قافلة تضم جميع الأهالي الذين نزحوا قسراً, لا أن تبقى عودة فردية تحمل في طياتها الغصة أكثر من الفرح”.
لأول مرة منذ سبع سنوات يشعر علي حسن حسني، 45 عاماً، من سكان بلدة راجو بريف عفرين أن “عفرين لأهلها”، وأن “لنا سند وقوة”.
في موقف مشابه، عبرت إلهام رشو، من سكان ناحية بلبل بريف عفرين عن سعادتها بعودة والدتها وشقيقها الأصغر وعائلات أخرى إلى قريتها، قائلة: “عند عودتهم اشتد ظهرنا، بينما كنا في السابق لا نستطيع التحرك من شدة الخوف”.
ومع كل المؤشرات الإيجابية، استبعد فاضل محمد، صحفي من عفرين مقيم في مدينة حلب، العودة إلى مسقط رأسه هذه الفترة، إلا “بغرض الزيارات القصيرة، وهو توجه أغلب أهالي المنطقة المقيمين بحلب”, إلى حين “ترتيب أوضاعهم وتفقد أملاكهم واستردادها وتثبيت ملكيتها”.
في اتفاق الأول من نيسان/ أبريل الحالي، الخاص بحيي الشيخ مقصود والأشرفية، كانت عفرين حاضرة باعتبارها تابعة إدارياً لمحافظة حلب، وكان من أبرز المحاور الخاصة بها التركيز على آلية عودة سكان عفرين إلى منطقتهم، بما “يضمن لهم الأمن والاستقرار والحياة الكريمة بعيداً عن الخوف والتهديد”.
وإلى حين تحقيق ذلك، تترقب العائلات، لا سيما المقربة من الإدارة الذاتية وعائلات مقاتلي قوات سوريا الديمقراطية، صدور قرار العودة الجماعية، الذي من المتوقع أن تحدد موعده وتشرف عليه الإدارة الذاتية.