الأربعاء, 30 أبريل 2025 01:17 PM

سوريا: الإدارة الانتقالية وسياسة المسارين المتناقضين - بين تجميل الصورة الخارجية وتكريس السلطة الداخلية

سوريا: الإدارة الانتقالية وسياسة المسارين المتناقضين - بين تجميل الصورة الخارجية وتكريس السلطة الداخلية

تلعب الإدارة الانتقالية الجديدة في سوريا سياسة مزدوجة بمسارين متوازيين، أحدهما موجه للخارج لتخفيف الضغوط، والآخر يتبنى هيكلًا مركزيًا محكم الإغلاق قائمًا على الولاء. وقد تجسدت إشكالات المسارين وتناقضاتهما في قضايا التشاركية، والعدالة الانتقالية، وأدوار النساء.

فيما يتعلق بالتشاركية، تخشى الإدارة الانتقالية التعددية السياسية، وتربط تنظيم العمل السياسي بإصدار قانون الأحزاب وفقًا للمادة “14” من الإعلان الدستوري، بينما يتغول “تيارها السياسي” في مؤسسات الدولة، بدءًا من الهيمنة على مجلس الأمن القومي والصلاحيات الواسعة لرئيس المرحلة الانتقالية، أحمد الشرع، دون آليات محاسبة، إلى الاحتفاظ بالوزارات السيادية في الحكومة الانتقالية. واستكملت الإطباق على الفضاء السياسي العام بعد إنشاء “الأمانة العامة للشؤون السياسية” التابعة لوزارة الخارجية، والتي حُددت مهامها بالإشراف على النشاطات والفعاليات السياسية الداخلية، والمشاركة في صياغة ورسم السياسات والخطط العامة المتعلقة بالشأن السياسي، وإعادة توظيف أصول حزب “البعث” وأحزاب “الجبهة الوطنية التقدمية”.

بذلك تكون السلطة الحالية قد استأثرت وبشكل كامل بمفاصل مؤسسات الحكم، وخلطت عمل ومهام وزارة الخارجية بالنشاط السياسي الداخلي في مخالفة لنص المرسوم التشريعي رقم 20 لعام 2016، ووظفت أموال الدولة لدعم “تيارها السياسي”، كما استحوذ حزب “البعث” المنحل على مؤسسات الدولة سابقًا. وامتد تغول وزارة الخارجية مؤخرًا إلى تعيين مجلس لتسيير أعمال “اتحاد الكتاب العرب”، وهو تقويض لاستقلال المؤسسات الثقافية والنقابية وفرض وصاية عليها، بدل دعم استقلاليتها.

أما عن العدالة الانتقالية، فبعد الفوضى والتخريب الذي لحق بالسجون ومراكز الاحتجاز، وإتلاف ونهب وثائق رسمية، ونبش عشوائي في بعض المقابر الجماعية بعد سقوط النظام الأسدي، تمكنت لجنة التحقيق الدولية من الدخول إلى سوريا لأول مرة منذ عام 2011، وزارت مقابر جماعية ومراكز احتجاز في دمشق وريفها، وسهلت الإدارة الحالية دخول فريق تابع من مفتشي منظمة حظر الأسلحة الكيماوية، وزاروا خمسة مواقع بسوريا في آذار الماضي. ولكن الإدارة الحالية تهمل أهمية التحضير لمسار العدالة الانتقالية بالتشاور مع روابط الضحايا والمجتمع المدني ومنظمات حقوق الإنسان والخبراء المستقلين ومؤسسات الأمم المتحدة، وتضرب أسس العدالة الانتقالية عبر تسويات غامضة مع عدد من المجرمين، سواء ارتكبوا جرائم اقتصادية أو جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية، فتحتجز بعضهم تارة، وتطلقهم تارة أخرى، ويتحول بعضهم إلى “ناشطين في السلم الأهلي” دون أي اعتبار لآلام مجتمع الضحايا وأهمية إنصافهم، وفي تجاهل للرأي العام وغضبه من طريقة إدارة ملفات متعلقة بالعدالة الانتقالية.

فيما يخص حقوق النساء، فمنذ سقوط النظام عيّنت حكومة تصريف الأعمال عائشة الدبس مديرة لمكتب شؤون المرأة، وبدأت بخطاب سلطوي إقصائي، أعاد انتاج عنف المجتمع الذكوري، فقررت مسبقًا إقصاء كل من ستختلف معها بالفكر. وحدد عبيدة أرناؤوط معايير مشاركة النساء ورسمَ حدودها، معتبرًا أن تعيين النساء وزيرات أو تمثيلهن النيابي هو سابق لأوانه. وبعد احتجاج الناشطات والناشطين على تصريحي الدبس وأرناؤوط، سارعت السلطة إلى تعيين عدد من النساء، كميساء صابرين رئيسة للبنك المركزي، والتي غادرت منصبها مؤخرًا.

ازدواجية النهج الذكوري في السيطرة على أدوار النساء تعمل على مستويين، الأول، وهو المُراقب دوليًا، فيتم تعيين وزيرة واحدة من أصل 23 وزير في الحكومة الانتقالية، وهو نمط يندرج في إطار الرمزية والأدائية المريحة للسلطة من أجل تحسين صورتها أمام “المجتمع الدولي”، وهي ذات السياسة المتبعة مع باقي المكونات الدينية والعرقية، أما المستوى الثاني، فهو المستوى القاعدي، وتُحشر فيه النساء بين خيارين لا ثالث لهما، إما التسريح التعسفي الذي طال مؤخرًا العديد من الموظفين والموظفات، أو انتظار قرارات صُناع القرار المتشددين دينيًا ذوي الادعاءات الذكورية المحدودة والتمييزية ضد النساء، والتحكم بلباسهن وفق ما يعتبرونه مناسبًا، حتى بالنسبة للمحجبات.

إن السياسة المزدوجة التي تتبعها الإدارة الانتقالية، التي تلتمس الاعتراف بشرعيتها من “الخارج” وتتغول داخليًا على الفضاء السياسي والنقابي وتحتكره، تصر على تجاهل أهمية عقد مؤتمر وطني تشارك فيه كل القوى الحية في المجتمع، وتنبثق عنه لجنة لكتابة الدستور الدائم، وتتغافل عن فتح حوارات مع الجماعات السياسية والحقوقية والثقافية والاقتصادية لمواجهة المخاطر التي تهدد شعب سوريا وأرضها، ولبناء عقد اجتماعي جديد، تشاركي، تعددي، قائم على الحريات الفردية والجماعية وقيم الديمقراطية.

مشاركة المقال: