زيارة الرئيس دونالد ترامب المرتقبة إلى السعودية والإمارات وقطر تحمل في طياتها أهمية مصيرية لا تقتصر على دول الخليج العربي، بل تمتد لتشمل إيران ودول المشرق العربي وإسرائيل. فالعلاقات الثنائية بين الولايات المتحدة والمملكة العربية السعودية تتجاوز البعد الإقليمي، نظرًا لنفوذ الرياض الخليجي والعربي والإيراني، وتصل إلى البعد الدولي بفضل دور المملكة كعرّاب للدبلوماسية الأميركية مع روسيا وربما الصين.
إيران ستكون حاضرة بقوة في هذه الزيارة، وقد يتطور الأمر إلى عقد قمة بين الرئيس الأميركي ونظيره الإيراني، شرط تحقيق اختراق جدي في المفاوضات الأميركية-الإيرانية وتغيير في عقلية النظام في طهران. تركيا أيضًا حاضرة عبر البوابة السورية، حيث يسعى الرئيس السوري أحمد الشرع إلى إثبات جدارته في قيادة سوريا بعيدًا عن التطرف، نحو التأقلم مع الجوار التركي والإسرائيلي واللبناني.
مصر وغزة واليمن ولبنان والعراق، حيث تتواجد أذرع إيران، ستكون حاضرة أيضًا. الوساطة السعودية الهادئة بين إدارة ترامب والرئاسة الإيرانية، والوساطة العمانية المباشرة، تسجلان تغييرًا أساسيًا في دينامية العلاقة الأميركية مع إيران ودول الخليج، بعد أن عمدت الإدارات السابقة إلى استبعاد الدول العربية عن الحوار مع طهران.
اليوم، تلعب السعودية أدوارًا قيادية في الطروحات الأميركية بالشرق الأوسط والخليج، بهدف تحقيق التنمية والسلام، بدلًا من الاستقطاب والحروب. التكامل بين دول مجلس التعاون الخليجي الست ضروري، مع السعي لجم الخلافات وتعزيز العلاقات مع الدول الكبرى كالولايات المتحدة والصين وروسيا.
أذربيجان تسعى لدور وساطة، وقد استضافت محادثات بين تركيا وإسرائيل حول سوريا. وعلى الرغم من الاعتقاد بوجود خطر تصادم تركي-إسرائيلي في سوريا، إلا أن هناك تنسيقًا خفيًا ساهم في إنجاح الجهود التركية لإبعاد الأسد وتحقيق هدف إسرائيل بإبعاد إيران وحزب الله.
الدول الخليجية العربية تلعب أدوارًا مختلفة في سوريا، وتسعى السعودية لإبقاء سوريا في الحضن العربي. التحدي أمام الرئيس السوري أحمد الشرع هو إيضاح هوية سوريا كدولة مدنية، وإثبات انتقاله من تاريخه في "هيئة تحرير الشام" إلى سدة الرئاسة.
أحمد الشرع يرغب في لقاء ترامب خلال زيارته للمنطقة، والسعودية والإمارات تعملان على تحقيق هذه النقلة النوعية بين إدارة ترامب وسوريا، إدراكًا لأهمية العلاقة بين سوريا وإسرائيل في تغيير النهج الأميركي تجاه سوريا.
السعودية مستعدة لتطبيع العلاقات مع إسرائيل شرط قبولها بدولة فلسطينية، وهي جاهزة لتنفيذ دورها في "صفقة القرن" إذا ضغط ترامب على نتنياهو لوقف إبادة الفلسطينيين. الإمارات تلعب دورًا في التمهيد لتوسيع الحلقة العربية كوسيلة ضغط على إسرائيل لتسليمها بالحقوق العربية.
سوريا حلقة أساسية في تحقيق "صفقة القرن" ومنع عودة التوسع الإيراني، وتمكين السعودية من التطبيع مع إسرائيل. لبنان أيضًا مفتاح في بناء الشرق الأوسط الجديد، والجهود الأميركية والخليجية واضحة لإنجاح انتقاله إلى دولة طبيعية.
ترامب غاضب من نتنياهو، لكن هذا لن يتطور إلى مقاطعة إسرائيل. المهم أن يكون الرئيس الأميركي مستعدًا للضغط على إسرائيل في ملفات سوريا ولبنان وفلسطين، وقد يعلن خطة خاصة بغزة قبيل زيارته للخليج.
الدبلوماسية الخليجية تسعى لتمهيد نقلة في الملف الفلسطيني، وتبذل قطر ومصر جهودًا لإقناع حماس بالتخلي عن مشاريعها في غزة. هذه الزيارة فرصة تاريخية لإيران إذا أحسنت توظيفها، وتخلت عن استخدام الوكلاء كأذرع لها.
ما حدث في اليمن واستسلام الحوثي دليل على العزم الأميركي لاستكمال بتر الأذرع الإيرانية. أي اتفاق أميركي-إيراني سيسلب إيران ورقة الوكلاء إذا أرادت طهران الالتحاق بالقطار الإقليمي بقيادة أميركية-إقليمية مشتركة.
دول رائدة كالعراق ومصر ستكون متواجدة بصورة أو بأخرى في زيارة ترامب، لكن إيران ستكون الفيل في الغرفة، تليها إسرائيل وتركيا. السعودية هي المحطة الأولى لزيارة الرئيس الأميركي، ما يبعث رسالة استراتيجية بأهمية الشراكة الأميركية-السعودية.
السعودية ستستمر في لعب دور المسهل للحوار الدولي، وعمان في تيسير المفاوضات الأميركية-الإيرانية، وقطر في فك عقدة حماس، والإمارات في مساعدة الانفتاح السوري واللبناني على إسرائيل.
زيارة الرئيس ترامب لن تكون سياسية وأمنية فحسب، وإنما أيضًا استثمارية وتجارية. والآن، يُبحر الرئيس الأميركي إلى الخليج العربي رافعاً أمام إيران جزرة الالتحاق بمركبه بكل الفوائد لها، وإلاّ لن تفوتها سفينة الإنقاذ فحسب، وإنما ستجد نفسها بمفردها وسط رياح وعواصف صاخبة.