الأربعاء, 30 أبريل 2025 01:16 PM

خطوة جريئة في دير الزور: فصل موظفين بتهم فساد يضيء شمعة في نفق مكافحة الفساد بسوريا

خطوة جريئة في دير الزور: فصل موظفين بتهم فساد يضيء شمعة في نفق مكافحة الفساد بسوريا

قرار صدر في الحادي عشر من نيسان الجاري عن إدارة الأمن العام في محافظة دير الزور يقضي بفصل عدد من الموظفين لتورطهم في قضايا رشوة وتهريب دخان إلى أحد الموقوفين. قرار قد يبدو عاديا للوهلة الأولى، لكن عند التأمل فيه يتضح أنه يحمل دلالات أعمق تعكس تغيرا جوهريا في منهج التعامل مع الفساد في سوريا.

لطالما كانت الرشوة والتهريب جزءا من الحياة اليومية في عهد النظام السابق، حيث تم تقنين الفساد وتغليفه بمسميات لطيفة مثل "فنجان قهوة" أو "إكرامية" أو "هدية". وكان المواطن مضطرا للدفع كي تُنجز معاملته أو يُؤجل تجنيده أو حتى يحصل على توقيع بسيط. هذه الثقافة لم تكن مجرد سلوكيات فردية بل كانت منظومة قائمة تحميها السلطة وتشارك فيها الأجهزة الأمنية والعسكرية.

عمليات التهريب لم تقتصر على الداخل بل شملت الحدود، وتحولت السجون إلى سوق سوداء للمواد المهربة وعلى رأسها الدخان والمخدرات تحت إشراف ضباط وشخصيات نافذة. تقارير دولية من بينها تحقيق لمجلة دير شبيغل كشفت عن تورط النظام السابق في تجارة مخدرات تجاوزت عائداتها السنوية خمسة مليارات دولار، ما جعل سوريا تحتل مراتب متأخرة للغاية في مؤشرات الشفافية والحوكمة لتصل إلى المرتبة مئة وأربعة وسبعين من أصل مئة وثمانين دولة على مؤشر الفساد العالمي لعام ألفين وثلاثة وعشرين.

لكن المشهد تغيّر بعد سقوط النظام في الثامن من كانون الأول عام ألفين وخمسة وعشرين، ومع انطلاق مرحلة الانتقال السياسي بدأت الدولة الجديدة في فرض معايير صارمة لمحاربة الفساد ووضع حد لسوء استخدام السلطة. قرار الفصل في دير الزور لم يكن إجراء روتينيا بل رسالة واضحة مفادها أن ما كان مقبولا في الماضي أصبح مرفوضا في الحاضر.

هذه التحولات لم تمر دون أثر في الشارع السوري، حيث يشعر المواطن اليوم أن كرامته بدأت تُصان بقوة القانون لا بسلطة الواسطة والمحسوبية. الموظف الذي يتلقى رشوة يُفصل والمخالف يُحاسب والمواطن أصبح يرى لأول مرة مؤسسات الدولة تعمل لحمايته لا لابتزازه.

ربما ما يحدث اليوم لا يمحو سنوات الألم والفساد، لكنه بالتأكيد يفتح بابا للأمل بأن المستقبل سيكون مختلفا وأن سوريا تتجه فعليا نحو دولة قانون ومؤسسات.

مشاركة المقال: