بعد أكثر من عقد من التراجع الاقتصادي، تقف سوريا أمام فرصة جديدة لإعادة تقييم سياساتها المصرفية التي عطّلت تمويل الإنتاج، وأضعفت قدرة المصارف على دعم الاقتصاد. فمع تشكيل حكومة جديدة، تتجدد التساؤلات: هل تنجح في إعادة الثقة بالمصارف وتفعيل دورها في تحريك عجلة الإنتاج؟
القروض المصرفية... شريان الاقتصاد المعطل
في دول العالم، تمثل القروض المصرفية ركيزة للنمو والاستثمار. لكن في سوريا، أدت الحرب وتداعياتها خلال السنوات الماضية إلى تجميد نشاط الإقراض، ما أثر سلباً على المشاريع الصغيرة والكبيرة على حد سواء.
بين عامي 2012 و2016، توقفت المصارف عن منح القروض، قبل أن يسمح لها المركزي السوري بالعودة التدريجية للإقراض، مع التركيز على الإنتاج الغذائي والاستهلاك المحلي. غير أن التضخم والمخاوف من أزمة مصرفية دفعت المصارف إلى التشدد، ما زاد من نسبة السيولة المعطلة، والتي وصلت إلى أكثر من 50% من إجمالي السيولة.
أرقام تكشف واقع التمويل
أرقام المصرف التجاري السوري، الأكبر في البلاد، تُظهر حجم المشكلة بوضوح. ففي النصف الأول من عام 2024، بلغ إجمالي القروض الممنوحة 581 مليار ليرة سورية، توزعت على النحو التالي:
- قروض استثمارية: 72 مليار ليرة
- قروض التجزئة: 325 مليار ليرة
- قروض الطاقة المتجددة: 184 مليار ليرة
في المقابل، بلغت الودائع لدى المصرف حوالي 3.2 تريليون ليرة، أي ما يعادل 7% فقط من الناتج المحلي الإجمالي، وهي نسبة متدنية تُظهر ضعف ثقة المودعين بالنظام المصرفي، نتيجة التضخم وقيود السحب.
ماذا يعني ذلك للاقتصاد؟
تشير هذه المؤشرات إلى غياب التمويل الكافي للمشاريع الإنتاجية، خصوصًا في القطاعات العقارية والتجارية، ما أدى إلى تجميد مساحات واسعة من الاقتصاد الوطني. ويعزو الخبراء هذا إلى سياسات إقراض مقيّدة، إلى جانب بيئة استثمارية غير محفّزة، وارتفاع تكاليف الإنتاج والمواد الأولية.
هل الوقت مناسب للتغيير؟
يشير مراقبون إلى أن عام 2025 قد يكون لحظة التحوّل. فالتضخم بدأ بالتراجع، وأسعار مواد البناء والسلع الإنتاجية أصبحت أكثر استقراراً، ما يتيح فرصة حقيقية لطرح أنواع جديدة من القروض التي تستهدف المشاريع الإنتاجية والصناعية.
ويؤكد الخبراء أهمية أن تكون هذه القروض مرفقة برقابة مصرفية تضمن جدية المشاريع وتحقيق نتائج فعلية على الأرض.
سوريا تملك الإمكانيات... لكن هل تملك الإرادة؟
رغم التحديات، تمتلك سوريا إمكانات حقيقية لإعادة إطلاق مشاريع إنتاجية محلية، سواء كبيرة أو صغيرة، بفضل توفر اليد العاملة والموارد الأولية. ويمكن تحقيق قفزة في النمو إذا ما تم اتباع نموذج تمويلي يشبه ما تُطبقه دول صناعية عديدة، حيث تُغطى القروض نحو 50% من قيمة المشروع بضمانات حقيقية من المستثمر.
خلاصة:
السياسات المصرفية الحالية لم تعد قابلة للاستمرار. إذا أرادت الحكومة الجديدة استعادة الثقة وتحقيق الانتعاش الاقتصادي، فإن تحرير القروض وتوجيهها نحو الإنتاج يجب أن يكون على رأس أولوياتها.