الأربعاء, 30 أبريل 2025 01:19 PM

حذف الأصفار من الليرة السورية: هل هو حل للأزمة أم مجرد تجميل للواقع الاقتصادي؟

حذف الأصفار من الليرة السورية: هل هو حل للأزمة أم مجرد تجميل للواقع الاقتصادي؟

دمشق – الدكتور محمد الجبالي

صرح مصدر مسؤول في مصرف سورية المركزي بأن استبدال العملة المرتقب يهدف إلى تغيير شكلها فقط، مع إمكانية حذف ثلاثة أصفار، ليصبح الألف ليرة الحالية تساوي ليرة واحدة في العملة الجديدة، دون المساس بقيمتها أو سعر صرفها.

هذا التوجه، الذي يبدو فنيًا أو شكليًا للوهلة الأولى، يحمل دلالات اقتصادية عميقة تستدعي التأمل والتحليل.

هل حذف الأصفار يحل الأزمات؟

اقتصاديًا، حذف الأصفار ليس حلًا جذريًا للمشكلة، بل هو "إعادة ضبط شكلي" للمعادلات النقدية. يُستخدم عادة في البلدان التي تعاني من تضخم مفرط، لتسهيل التعاملات المحاسبية والحد من ضخامة الأرقام في الأسواق. لكنه لا يعالج الأسباب الجذرية للتضخم، كالعجز في الميزانية، أو انخفاض الإنتاج، أو فقدان الثقة بالعملة الوطنية.

الكلفة تفوق القيمة!

بحسب المصدر، تبلغ كلفة طباعة كل قطعة نقدية حوالي 20 سنتًا، في حين أن الدولار يساوي قرابة 12 ألف ليرة. وهذا يعني أن كلفة طباعة بعض الفئات قد تتجاوز قيمتها السوقية، وهي معادلة خطرة في المنطق الاقتصادي، لأن الدولة قد تجد نفسها تنفق موارد نادرة على عملة لا تحمل من القيمة إلا اسمها.

الإصلاح يبدأ من الداخل لا من الورق

الاقتصاد السليم يُبنى على عناصر حقيقية: إنتاج، تصدير، استثمار، استقرار سياسي، عدالة ضريبية، شفافية، وثقة عامة. لا تُبنى العملة بقوة الطابعة، بل بقوة الاقتصاد الذي تقف خلفه. فتغيير الشكل دون تغيير البنية لا يُنتج عملة جديدة، بل يُنتج وهمًا جديدًا.

فما هو الحل إذًا؟

  • إعادة الثقة بالليرة السورية عبر سياسة نقدية واضحة ومستقرة لا تعتمد على الإنكار بل على المصارحة.
  • تحفيز الإنتاج المحلي وتخفيف الاعتماد على الاستيراد.
  • ضبط سوق الصرف بسياسات واقعية لا قسرية.
  • تشجيع الاستثمار الداخلي والخارجي بمناخ قانوني واقتصادي محفّز.
  • إصلاح القطاع العام وتحسين كفاءته خصوصًا في القطاعات الحيوية.

العملة مرآة للاقتصاد، فإذا تكسّرت المرآة فلا فائدة من طلاء الشظايا… الحل ليس في تغيير الألوان والأرقام، بل في تغيير المنهج والسياسات. فحين يُعاد الاعتبار للقيمة الحقيقية تعود الثقة وتنهض العملة من جديد.

مشاركة المقال: