الثلاثاء, 13 مايو 2025 05:09 PM

جولة ترامب الخليجية: صفقات تريليونية ضخمة مقابل مكاسب سياسية محدودة

جولة ترامب الخليجية: صفقات تريليونية ضخمة مقابل مكاسب سياسية محدودة

يبدأ الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، اليوم، من السعودية، أولى جولاته الخارجية الرسمية منذ انتخابه، على أن ينتقل بعدها إلى قطر، ثم الإمارات. ولئن اختلفت هذه الجولة في شكلها ومضمونها عن زيارته الخارجية الأولى في ولايته السابقة، والتي كانت إلى السعودية أيضاً، ربطاً بالتغيّرات الجيوسياسية التي حصلت في المنطقة خلال العامين الماضيين، إلا أنّ الثابت الذي يكاد يكون وحيداً فيهما هو الأرقام التريليونية التي سيعود بها إلى واشنطن.

عشية تقديم عرضه لدونالد ترامب لكي تكون زيارته الخارجية الأولى في ولايته الثانية إلى السعودية، كان صانع القرار السعودي يطمح إلى النجاح في ما فشل فيه خلال ولاية جو بايدن، من تحصيل مضمون سياسي يحقّق مصالح تُقرَّش في ميزان التنافس الإقليمي الجيوسياسي المحموم، بعد التغيّرات الكبيرة التي طرأت على المنطقة. لكنّ الفأل السيئ بدأ بالظهور مع اضطرار ترامب الشهر الماضي إلى السفر إلى إيطاليا للمشاركة في جنازة البابا فرنسيس في الفاتيكان، بما جعل زيارة ترامب إلى السعودية اليوم ليست الأولى بل الثانية.

وعلى الرغم من أنّ الكشف عنها حصل في آذار الفائت، إلا أنّ شهرين متتاليَين لم يكونا كافيَين لتحقيق طموحات ولي العهد السعودي، محمد بن سلمان، الذي أراد من واشنطن، قبل أي شيء، إقناع تل أبيب بإيقاف الحرب على غزة – ولو مؤقّتاً – ليتحرّر من الإحراج الذي يحول دون إعلانه أمام ترامب، خلال زيارته، عن أي شيء عملاني يتعلّق بالتطبيع مع كيان العدو.

وإذا كان ابن سلمان يريد من ترامب اتفاقية دفاعية، وبرنامجاً نووياً سعودياً، والتزاماً إسرائيلياً بمسار «يفضي مستقبلاً» إلى دولة فلسطينية، فهو لن يحصل على هكذا التزام من نتنياهو، كما لن يحصل من ترامب، على ما يبدو، على الاتفاقية الدفاعية حتى، إذ من المرجَّح أن يعلن الرئيس الأميركي، شفهياً، أنّ «الولايات المتحدة ستدافع عن السعودية إذا ما تعرّضت لهجوم من قبل إيران أو أيّ من حلفائها»، من دون ذكر اسم اليمن، الذي اضطُر للذهاب إلى اتفاق لوقف إطلاق النار معه قبل أيام. على أن البرنامج النووي السعودي قد يكون المطلب الوحيد الذي سيشكّل «إنجازاً» للمملكة خلال الزيارة، حيث ترجّح نخب سياسية أميركية أن يوقّع ترامب وابن سلمان اتفاقاً لـ«التعاون النووي السلمي».

وفيما يريد ولي العهد برنامجاً نووياً يخوّله تخصيب اليورانيوم الخاص به، ما يعني استفادة في مجال توليد الطاقة، ولكن أيضاً في مجال الاستخدامات العسكرية، تؤكّد تقارير أميركية أنّ الأميركيين يتمسّكون بفرض قيود على قدرة السعوديين على تطوير دورة وقود نووي خاصة بهم، إلى جانب عمليات تفتيش دقيقة من قبل «الوكالة الدولية للطاقة الذرية».

ولذلك، من المرجَّح أن يظهر هنا حل وسط يسمح بتخصيب محدود تحت إشراف الولايات المتحدة. كما من غير الواضح ما إذا كان ترامب سيستجيب لمطالب الرياض الطامحة إلى الوصول إلى أحدث التقنيات الأميركية، مثل أشباه الموصلات المتقدّمة لقطاعي التكنولوجيا والذكاء الاصطناعي، وهو مجال تتخلّف فيه السعودية عن شقيقتها الصغرى الإمارات. وفي المعلومات، سبق لواشنطن أن اشترطت أن تقلّص الرياض تعاونها التكنولوجي مع بكين، لتزويدها بما تطلبه من الأميركيين في هذا المجال.

إذاً، كفّة السعوديين لن تكون راجحة، تماماً كما كان الحال خلال ولاية ترامب الأولى، عندما أغرق السعودية بالوعود والثناء على الحليف الذي «لا يملك شيئاً إلا المال»، ووقف يتفرّج عليه عندما قصف اليمنيون منشآت أرامكو في «ابقيق».

وهذه المرة، سيقفل الرئيس الأميركي عائداً إلى أميركا وفي جعبته التزامات سعودية وخليجية تريليونية (حوالي 3 تريليون دولار)، وسيتسنّى له أن يتفاخر بمقدار الأموال التي تعهّدت السعودية بضخها في الاقتصاد الأميركي، مع التركيز على أنّ حجمها سيكون مضاعفاً عمّا حصّله في زيارته الأولى، إذ سيحصل على تعهّد سعودي باستثمار ما يقارب 1 تريليون دولار على مدى 10 سنوات قادمة، منها 100 مليار دولار كمبيعات أسلحة. وبعد أن يختتم لقاءه بولي العهد السعودي، سينتقل إلى الدوحة، حيث سيعلن من هناك عن صفقة طائرات مليارية مع شركة «بوينغ»، وعقد شراء طائرات من دون طيار من طراز «MQ-9 Reaper» كالتي يتقن تصيّدها اليمنيون، بقيمة ملياري دولار.

إضافةً إلى ذلك، أعلنت قطر عن خطط للاستثمار «بكثافة» في قطاعات أميركية مثل الذكاء الاصطناعي وأشباه الموصلات، فيما ستحظى هديتها لترامب، والمتمثلة بطائرة «بوينغ 747» الفاخرة، والتي تُقدَّر قيمتها بنحو 400 مليون دولار، بأغلب التغطية الإعلامية، لتخيّم على حقيقة أنّ قيمة ما ستقدّمه الدوحة (حوالي 250 مليار دولار) أقل بكثير مما ستقدّمه كل من الرياض وأبو ظبي. أما ختام جولة ترامب الخليجية، فسيكون تريليونياً أيضاً، مع إعلان الإمارات مسبقاً أنّها ستستثمر في الولايات المتحدة بقيمة 1.4 تريليون دولار خلال العقد القادم، في قطاعات البنية التحتية للذكاء الاصطناعي، وأشباه الموصلات، والطاقة، ومجالات صناعية أميركية أخرى.

يبقى شيء وحيد ينبغي الالتفات إليه في شكل جولة ترامب الخليجية؛ ففي المرة السابقة، جمع محمد بن سلمان له أغلب قادة العرب والدول الإسلامية في ثلاث قمم عُقدت في الرياض، بمن فيهم قادة الدول الخليجية الأخرى، في حين يغيب اليوم الحضور العربي والإسلامي الكبير، إذ سيزور ترامب كل دولة خليجية على حدة؛ وإن كان سيعقد قمة مع قادة دول «مجلس التعاون الخليجي» خلال وجوده في الرياض، إلا أنّ توجّهاته القائمة على تحصيل الريع بشكل منفرد من «حلفائه»، ستبقى السمة الأبرز في سلوك الحالة الترامبية، بغضّ النظر عما إذا كان المستنزَفون قد نجحوا في تحصيل «دسم» سياسي أم لا.

مشاركة المقال: