الأربعاء, 30 أبريل 2025 01:30 PM

تلاعبات السوق السوداء: كيف يحدد التجار سعر الدولار في سوريا في ظل غياب رقابة "المركزي"؟

تلاعبات السوق السوداء: كيف يحدد التجار سعر الدولار في سوريا في ظل غياب رقابة "المركزي"؟

تلاعبات يومية في سعر الصرف

عنب بلدي – أمير حقوق: تشهد أسعار صرف الدولار في السوق السوداء بسوريا تغيرات يومية متسارعة، في حين يظل سعر الصرف ثابتًا في نشرات مصرف سوريا المركزي، مما يثير تساؤلات حول الآلية المتبعة لتحديد الأسعار.

أعلن مصرف سوريا المركزي عن إجراءات للحد من الفجوة بين سعر الصرف الرسمي وسعر السوق السوداء، وحدد آلية للتسعير. ووفقًا لبيان صادر عن المصرف في 23 آذار الماضي، يعتمد سعر صرف الدولار الأمريكي مقابل الليرة السورية على دراسة واقع سعر الصرف في السوق المحلية. يهدف هذا القرار إلى توحيد نشرات أسعار الصرف، وتلافي الفروق والآثار السلبية الناتجة عنها، وتقليص الفجوة بين السوقين الرسمية وغير الرسمية، والحد من المضاربات، بحسب تصريح المكتب الإعلامي في المصرف لوكالة الأنباء السورية الرسمية (سانا).

وكان المصرف المركزي قد أصدر في 21 آذار الماضي قرارًا بوقف الملاحقة القضائية المدنية بحق المتعاملين بغير الليرة السورية ومن عمل بالصرافة قبل سقوط نظام الأسد. وسمحت الحكومة الجديدة بالتعامل بالعملات الأجنبية، الأمر الذي أدى إلى انتشار المحال و"البسطات" والمراكز التي تصرف الدولار والعملات الأخرى.

حبس السيولة وتأثيره

تنشر يوميًا نشرات تحدد سعر صرف الدولار والعملات الأجنبية في أسواق سوريا عبر تطبيقات إلكترونية ووسائل التواصل الاجتماعي. وتثير هذه النشرات استغراب الناس وتساؤلاتهم حول الجهة التي تحدد سعر الدولار في السوق السوداء والآليات المتبعة.

يرى الأستاذ الجامعي مجدي الجاموس أن سعر صرف الدولار في السوق السوداء يتحدد بناءً على آلية العرض والطلب، مع الأخذ في الاعتبار متغيرات مثل السياسات الاقتصادية والمالية. ويضيف أن حبس السيولة، وعدم الثقة بالقطاع المالي المصرفي، والأسلوب التخزيني للعملاء بالقطع الأجنبي، ومعدلات التضخم الكبيرة، كلها عوامل تؤثر على سعر الصرف في السوق السوداء.

شركات "خفية" تتحكم بالسوق

يرجح الدكتور الجاموس أن تذبذب سعر صرف الدولار في السوق السوداء يعود إلى سببين: آلية العرض والطلب وتمويل المستوردات غير النظامية، ووجود شركات "خفية" متخصصة بالدولار تقوم بعملية "المضاربة". ويؤكد أن مصلحة هذه الشركات تكمن في تذبذب سعر الصرف، حيث تحدد يوميًا سعر افتتاح وإغلاق الدولار مثل البورصة. وتستغل هذه الشركات المواقع والمجموعات الإلكترونية لربطها بالتجار والأشخاص الذين تعتمد عليهم في المحافظات، مما يؤثر سلبًا على ذوي الدخل المتوسط والمحدود.

ويعتقد أن هذه الشركات غير المعلن عنها يقف وراءها "خبراء ومتنفذون" يحددون سعر صرف الدولار، وأن التواصل بين التجار والصرافين يتم عبر مجموعات في وسائل التواصل الاجتماعي، مما يفسر توحيد سعر الصرف في كل المراكز. ويستغل القائمون على هذه الشركات الشائعات لخلق حركة تذبذب كبيرة في سعر الصرف.

الدولار المعوّم وسياسات "المركزي"

يرى نائب رئيس غرفة تجارة دمشق، محمد الحلاق، أن تذبذب سعر الصرف أمر طبيعي طالما أن العملة معومة وليست ثابتة. ويضيف أن سياسة البنك المركزي تلعب دورًا في ذلك، حيث يمكن أن ترفع نسب الفوائد على الدائن أو تخفضها على الحسابات الجارية، مما يؤثر على سلوك الأفراد. ويعتبر أن اعتماد الجميع على وسائل التواصل الاجتماعي كمصدر لتحديد سعر الصرف يساهم في التذبذب.

ويشير الحلاق إلى أن بعض الجهات والأشخاص يتجهون إلى الأسواق للتأثير على الجو العام عبر رفع أو خفض سعر الصرف، بناءً على كتلة نقدية موجودة معهم. ويرى أن إدارة سعر صرف الدولار في السوق السوداء مجهولة وتدار من أشخاص ذوي مصلحة.

"المركزي" لا يقوم بدور الحماية

يختلف سعر صرف العملات الأجنبية بين نشرات مصرف سوريا المركزي ونشرات السوق السوداء، حيث يحافظ المصرف المركزي على ثبات سعر الصرف تقريبًا، عكس السوق السوداء التي تشهد تغييرات ملحوظة في اليوم نفسه. ويرجع الجاموس هذا الاختلاف إلى أن المصرف المركزي يعطي السعر الحقيقي والمقدر للعملة الأجنبية، وينأى بنفسه عن التجارة غير الجيدة. ويعتبر أن المصرف المركزي يحافظ على السعر الذي يضعه لأنه يصعب عليه الدخول بآلية السوق (البيع والشراء). ويفترض على المصرف المركزي التدخل لحماية المستثمرين والأفراد والمساهمين، ولكنه نأى بنفسه بعد إصداره نشرات بسعر صرف الدولار الحقيقي.

ويشير إلى "تجارة الأرصدة البنكية"، حيث يلجأ الأشخاص الذين لا يحصلون على أموالهم من البنوك لبيع أرصدتهم مقابل سعر صرف مرتفع، مما يعطي هامشًا للتجار لرفع سعر الدولار.

ويوضح الحلاق أن الفرق بين تسعيرة المصرف المركزي والسوق السوداء هو أن المصرف المركزي لا يتبع سياسة تسعير، وإنما سياسة وضع رقم مثبت لا يبيع ولا يشتري. ويرى أنه عند اعتماد سياسة تسعير يجب اتباع مبادئ التجارة المعمول بها حول العالم، وأن المصرف المركزي يجب أن يتدخل بالبيع والشراء والتمليك.

سياسة تضعف الثقة بـ"المركزي"

تصريف الدولار في السوق اعتمادًا على سعر نشرات السوق السوداء، بعيدًا عن سعر المصرف المركزي، يتسبب بفقدان الثقة بقدرة المصرف المركزي على ضبط سعر الصرف. ويرى الجاموس أن المصرف المركزي لا يلعب أي دور، وبالتالي يسعر فقط، وليست لديه قدرة على تمويل الاستثمارات أو المستوردات، أو توفير الكتلة النقدية والاحتياطي النقدي للعملة الأجنبية. ويضيف أن التجار والمسعرين يستغلون ضعف وتهميش دور المصرف المركزي، وضعف السياسات المالية المتبعة، وضعف السيولة في البنوك، فيتاجرون بمخزون الناس من العملات الأجنبية.

"دولرة" الاقتصاد وخطرها

يقول الحلاق إن المصرف المركزي لا يثبت السعر ولا يبيع ولا يشتري، فمن الطبيعي أن تخضع الحركة التجارية للمنافسة. ويضيف أن أغلب الأعمال التجارية تتم بسعر الدولار، لكيلا يهتم التجار بارتفاع أو انخفاض الليرة السورية، ولكن هناك مشكلات مع المستهلك الذي يدفع بالليرة السورية، وأن سوريا تتجه لـ"دولرة" الاقتصاد، ولا ينبغي الاتجاه نحو ذلك.

ويوضح أن لبنان نجح في التجربة لأن المركزي يبيع ويشتري الدولار، أما المصرف المركزي السوري فيجب أن يكون صاحب السلطة في التسعير وإصدار نشرات تسعيرية، من أجل القدرة على البيع والشراء، وهذا يتطلب أن تمتلك خزينته كمية كافية من الدولار.

ويتبنى المصرف المركزي في سوريا سياسة حبس السيولة للتحكم بكمية الكتلة النقدية المتداولة في الأسواق، والحد من تضخم الأسعار، الأمر الذي اعتبر اقتصاديون استمراره بمثابة سياسة مالية تهدم الاقتصاد السوري. ويرى الخبير الاقتصادي فراس شعبو أن حبس السيولة يوقف عجلة الإنتاج، ويؤدي إلى "قتل الطلب".

وكان المصرف المركزي قد أصدر تعميمًا يسمح للمصارف المرخص لها التعامل بالقطع الأجنبي بتنفيذ عمليات بيع القطع الأجنبي للأغراض التجارية وغير التجارية من الموارد الذاتية لها.

مشاركة المقال: