السبت, 17 مايو 2025 02:27 PM

ترامب يفاجئ الجميع: هل يمثل رفع العقوبات بداية حقبة جديدة في سوريا؟

ترامب يفاجئ الجميع: هل يمثل رفع العقوبات بداية حقبة جديدة في سوريا؟

تكشف المواقف التي صدرت عن الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، خلال زيارته إلى الشرق الأوسط، وعلى رأسها قرار رفع العقوبات عن سوريا، أنّ ساكن البيت الأبيض الحالي خلُصَ إلى أنّ الولايات المتّحدة لم تعد قادرة على خوض مغامرة «تغيير البلدان والأنظمة»، وتحديداً في الشرق الأوسط، ما جعله يسلّم جدلاً بضرورة رفع العقوبات عن سوريا والتعاون مع حكم أحمد الشرع.

ويأتي ذلك وسط تخوّف العديد من المراقبين من داخل المنطقة وخارجها من «الشكل» الذي سيتّخذه حكم الشرع في المستقبل القريب، ولا سيما أنّ القرار الأميركي الأخير كان بمثابة «طوق نجاة» بالنسبة إليه.

وطبقاً لتقرير نشرته مجلة «فورين بوليسي»، فإنّ اللقاء الذي عُقد هذا الأسبوع بين «رئيس أميركي لا يهتم بالديمقراطية وجهادي سابق مناهض لأميركا يكتشف بسرعة أن الديمقراطية من غير المرجّح أن تنجح في بلاده التي مزّقتها الحرب، كان أكثر من مجرد مشهد مذهل»، بل بدا وكأنه «وداع كبير» لجيل كامل «من السياسة الأميركية الفاشلة في الشرق الأوسط».

وحتى قبل مصافحته الشرع، «الزعيم السوري الإسلامي الذي أمضى ذات مرة خمس سنوات في السجن بسبب الولايات المتحدة»، كان ترامب قد عبّر عن تلك الحقيقة بوضوح، في الخطاب الذي ألقاه في الرياض، ونسب فيه الفضل «إلى حليفيه الاستبدادييْن الجديديْن، ولي العهد السعودي محمد بن سلمان والرئيس التركي رجب طيب إردوغان»، بحسب المجلة. وبالفعل، كان ترامب قد أشار في كلمته إلى أنّه يضع وراء ظهره، بوعي تام، «إخفاقات» سياسات واشنطن السابقة.

على أنّ العديد من المراقبين، بمن في ذلك أولئك الذين كانوا يروّجون لضرورة أن يستغل ترامب سقوط نظام بشار الأسد للتقرب من الحكومة الجديدة، «وإعطائها فرصة»، أصبحوا حالياً يراقبون بـ«حذر شديد» ما سيؤول إليه حكم الشرع، ولا سيما بعد جملة الأحداث الدامية التي شهدتها مناطق متفرقة من سوريا في الفترة السابقة.

وفي هذا الإطار، تنقل المجلة عن تشارلز دن، الدبلوماسي الأميركي السابق في المنطقة، قوله إنّ «هناك حظوظاً فعلية للشرع»، واستدراكه بأنّ «الضغوط التي قد يواجهها في الداخل، ومنها الحاجة إلى فرض النظام، وتلك التي تأتي من الخارج، ولا سيما من مؤيديه في تركيا والخليج، سوف تعقّد طريقه».

ويردف دن أنّ «تركيا ودول الخليج قد تختلف إلى حد ما حول الميول الإسلامية المحتملة لحكومة الشرع، لكن كلا الطرفين لن يواجها أي مشكلة مع الحكم الاستبدادي وقمع الحقوق المدنية والسياسية بحسب الضرورة». ومن جهتهم، يقول خبراء آخرون إن النموذج الأكثر ترجيحاً لحكم الشرع، هو ما فعلته جماعته المتمردة، «هيئة تحرير الشام»، في مدينة إدلب شمال غرب سوريا، حيث «قادت حملة قمع وحشية ضد المعارضة».

بدوره، يرى جوشوا لانديس، رئيس «مركز دراسات الشرق الأوسط» في «جامعة أوكلاهوما» في رفع ترامب للعقوبات «انتصاراً عظيماً للشرع»، نظراً إلى أنّه من دون تلك الخطوة، كانت حكومته «ستفشل على الأرجح»، فيما أصبحت لديه حالياً فرصة لـ«إنعاش الاقتصاد السوري المعطّل». كما يعتبر لانديس أنّ الخطوة الأميركية الأخيرة هي بمثابة «أنباء سارّة للسوريين، الذين يعيشون، بمعظمهم، حالة من الفقر المدقع».

بيد أنّ صاحب الرأي المتقدّم يؤكد أنّ رفع العقوبات، والذي سيؤدّي، في الوقت نفسه، إلى «تعزيز حكومة الشرع وسلطته، يعني أن سوريا سوف تحكمها حكومة استبدادية وإسلامية متطرفة»، ولا سيما أنّ «الدستور يضع كل السلطات في يد الرئيس، الذي يحق له تعيين جميع البرلمانيين بشكل مباشر أو غير مباشر وفي المحكمة العليا أيضاً، جنباً إلى جنب ترؤس الجيش وقوات الأمن».

على أنّ ما تقدّم لا ينفي حقيقة أنّه ليست أمام ترامب «الكثير من الخيارات الأخرى»، طبقاً للمصدر نفسه، الذي يتابع أنّ الرئيس الأميركي كان على الأرجح على حق «في انتقاد من سمّاهم (بُناة الأمم)، والمحافظين الجدد داخل حكومات الولايات المتحدة السابقة»، والذين «أنفقوا تريليونات الدولارات في الفشل في تطوير كابول وبغداد والعديد من المدن الأخرى». وقد دفعت وجهة النظر المشار إليها بالعديد من الخبراء في الشرق الأوسط إلى المجادلة بأنّه «لأسباب إنسانية واستراتيجية، كان ترامب على حق في التواصل مع الشرع، الذي يظل شكل زعامته المستقبلية، في نهاية المطاف، عملاً قيد البناء».

وبعد وقت قصير من مغادرته أبو ظبي، أكّد ترامب، من على متن طائرته الرئاسية، أنّه «لم يتشاور مع إسرائيل» بخصوص رفع العقوبات عن سوريا، قائلاً: «لم أسألهم عن ذلك. اعتقدت بأن هذا هو الشيء الصحيح الذي ينبغي فعله، وحصلت على الكثير من الفضل للقيام بذلك. ونحن نريد لسوريا أن تنجح». على أن إسرائيل ليست وحدها التي تفاجأت، على ما يبدو، بقرار ترامب؛ إذ نقلت شبكة «سي بي أس» الإخبارية عن مصادر مطّلعة قولها إنّه داخل وزارة الخزانة، المسؤولة عن إدارة سياسة العقوبات وتنفيذها، قوبل إعلان ترامب بـ«صدمة» لدى كبار المسؤولين، ولا سيما أنّه كان يفتقر إلى «التفاصيل»، بما في ذلك التدابير التي سيتم التراجع عنها، وبأي وتيرة، ما جعل المسؤولين «يتدافعون لمحاولة فهم ما يعنيه القرار».

وحالياً، تدور مناقشات داخل وزارة الخزانة لتحديد السرعة والمدى اللذين يمكن من خلالهما التراجع عن العقوبات المستمرة منذ عقود، والتي تقيّد النشاط الاقتصادي داخل سوريا وتعاملاتها مع البلدان الأخرى. وفي هذا الإطار، نقلت مجلة «تايم» الأميركية عن آرون زيلين، وهو زميل بارز في «معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى»، قوله إنّه سيكون من الصعب، بشكل خاص، حل مسألة عقوبات «قيصر»، نظراً إلى أنّها جاءت بناءً على قرار من الكونغرس، ما يعني أنّه سيتعين على الإدارة الأميركية، حالياً، إقناع الأخير بتخفيف القيود المفروضة بموجبها.

وإذ من المرجّح أن تكون لقرار واشنطن الأخير تبعات إيجابية كبيرة على الشعب السوري، الذي كان الأكثر تضرراً منها، فإنّ السؤال يبقى مرتبطاً بالمدة التي تحتاج إليها سوريا لتشعر بمفاعيل القرار. وفي السياق، يؤكد بنيامين فيف، كبير محللي الأبحاث في شركة «كرم شعار الاستشارية المحدودة»، في منشور عبر «أكس»، أنّ رفع العقوبات رسمياً عن سوريا «ليس بنفس سهولة إعلان ترامب عنه»، مشيراً إلى أنّ هذا «سيحتاج إلى عملية طويلة». وأردف: «لا يسعنا إلا أن نأمل أن يجعلوا العملية سريعة قدر الإمكان»، مشدّداً على ضرورة أن تتبع الإعلان «إجراءات ملموسة».

مشاركة المقال: