الخميس, 15 مايو 2025 04:19 AM

تحليل: ما هي أسباب التصعيد الأمني الأخير في طرابلس، ليبيا؟

تحليل: ما هي أسباب التصعيد الأمني الأخير في طرابلس، ليبيا؟

تحليل معمق نشرته صحيفة "إزفيستيا" الروسية، للباحث في معهد الدراسات الشرقية غريغوري لوكيانوف، يتناول تصاعد التوترات الأمنية في العاصمة الليبية طرابلس، محاولاً فهم الأسباب والخلفيات السياسية والأمنية لهذا التصعيد.

يشير التحليل إلى أن العملية الأخيرة في طرابلس كانت عسكرية منظمة تهدف إلى إعادة هيكلة القوى الأمنية لصالح حكومة الوحدة الوطنية برئاسة عبد الحميد الدبيبة، على الرغم من المظهر العشوائي للاشتباكات.

الشرارة التي فجرت الوضع كانت مقتل القائد الميداني عبد الغني الككلي، المعروف بـ"غنيوة"، والذي كان يشغل منصباً قيادياً في "جهاز دعم الاستقرار" ورئيساً لجهاز الأمن التابع للمجلس الرئاسي.

تشير المعلومات إلى أن مقتل الككلي كان مدبراً، حيث استُدعي إلى اجتماع رسمي في مقر اللواء 444، ثم جرت تصفيته، مما أدى إلى انهيار في صفوف أتباعه.

كان الككلي يدير "جيشاً خاصاً" يخدم مصالحه ومصالح حلفائه داخل أجهزة الدولة، ويسيطر على موارد اقتصادية من خلال التهريب والاقتصاد الموازي، كما اتُّهم بتعطيل توحيد الهياكل الأمنية والانخراط في صراعات على النفوذ داخل مصرف ليبيا المركزي.

يذكر التحليل محاولات حكومة الوحدة الوطنية للحد من استقلالية المليشيات ودمجها ضمن بنية الدولة، ومن أبرزها تعيين عماد الطرابلسي وزيراً للداخلية، والذي سعى إلى تطبيق سياسة أمنية مركزية، شملت استعادة السيطرة على المعابر الحدودية مع تونس، مما قلل من دخل الجماعات المسلحة.

كما ساهم الدعم الأوروبي، وخصوصاً الإيطالي، في تقليص دور المليشيات في ملف الهجرة غير النظامية، عبر توجيه العوائد واللوجستيات إلى مجموعات موالية للدبيبة.

عملية السيطرة على "جهاز دعم الاستقرار" تمت بسلاسة نسبية، مع انسحاب معظم قادة الجهاز المقربين من الككلي من طرابلس دون مقاومة، مما يعكس وجود ترتيبات مسبقة.

يرى لوكيانوف أن مقتل الككلي والسيطرة على تشكيلاته المسلحة يمثلان جزءاً من عملية أوسع لإعادة رسم خريطة النفوذ في طرابلس.

التشكيلات المسلحة التابعة للككلي كانت تتكون في معظمها من أبناء منطقة أبو سليم، وكانت تستخدم لمواجهة "نفوذ مصراتة" المتصاعد في أجهزة الدولة، خاصة منذ تولي عبد الحميد الدبيبة -وهو من مدينة مصراتة- رئاسة الحكومة في عام 2021.

على الرغم من استمرار انقسام ليبيا بين الغرب والشرق، مع بقاء الشرق والجنوب تحت سيطرة قوات خليفة حفتر، فإن الدبيبة يسعى إلى توحيد الأراضي شمالي غربي البلاد، التي يقطنها أكثر من ثلاثة أرباع سكان ليبيا، عبر خطوات تدريجية.

تعتمد هذه الإستراتيجية على تقويض سلطة المليشيات، وتعزيز المؤسسات الرسمية، والتقليل من النفوذ الأجنبي.

تفاعلت القوى الإقليمية والدولية مع الأزمة الليبية بشكل مختلف، فبينما ركزت الجزائر وتونس على حماية حدودهما، اختارت دول أخرى، كإيطاليا وتركيا، التوغل في الإدارة والاقتصاد الليبيين.

عقدت إيطاليا اتفاقيات مع مليشيات محلية للحد من الهجرة، لكنها عملياً غذت تجارة البشر.

استمرار ضعف مؤسسات الدولة، وحرية حركة المليشيات، والفساد المستشري، تسبب في تدهور الوضع المعيشي وتراجع الأمن وتآكل البيئة الاستثمارية، وأتاح مجالاً واسعاً لتدخل القوى الخارجية، مما أضعف السيادة الليبية.

تقوية الحكومة وتقليص نفوذ المليشيات قد يضعفان الحاجة إلى وصاية خارجية، وهو ما لا تفضله بعض الأطراف الدولية، إلا أن سياسة الدبيبة تنسجم نسبياً مع مصالح بعض اللاعبين الدوليين.

المليشيات المسلحة لا تمثل فقط تهديداً داخلياً، بل هي أدوات فعالة بيد قوى خارجية تسعى لتشكيل المشهد السياسي في ليبيا حسب مصالحها.

تفكيك هذه المليشيات أو إخراجها من اللعبة السياسية سيتطلب جهوداً منهجية طويلة الأمد، وتوازناً دقيقاً بين الداخل والخارج.

مشاركة المقال: