في ظل تكتم صيني معتاد، يحيط الغموض بغرق غواصة نووية هجومية من طراز "تشو" في حوض بناء السفن ووشانج بمدينة ووهان. الحادث، الذي رصدته الأقمار الصناعية وأكده خبراء، يثير تساؤلات حول قدرات الصين البحرية وطموحاتها المتنامية.
تظهر صور الأقمار الصناعية غواصة راسية في حوض بناء السفن، وفي 15 يونيو/حزيران الماضي، بدت مغمورة كلياً أو جزئياً تحت سطح النهر، محاطة بمعدات إنقاذ ورافعات. لم يتضح ما إذا كانت الغواصة محملة بالوقود النووي أو ما إذا كان مفاعلها يعمل وقت الحادث، وهو ما تطالب بكين بتوضيحه.
ورداً على سؤال حول الحادث، اكتفى متحدث باسم وزارة الخارجية الصينية بالقول: "لسنا على دراية بالوضع الذي ذكرتموه وليس لدينا حاليا معلومات نقدمها". بينما علّق مسؤول أمريكي بأن "إخفاء البحرية الصينية لذلك ليس مفاجئاً".
على الرغم من شح التفاصيل حول "تشو"، تشير تقارير إلى أن الصين تطور تصاميم غواصات نووية سابقة. وتظهر صور الأقمار الصناعية فئة جديدة أو نوعاً فرعياً من غواصة هجومية صينية تعمل بالطاقة النووية، يحتمل تجهيزها بخلايا دفع خفي متقدمة ونظام إطلاق عمودي لصواريخ كروز.
ويرى خبراء أن الغواصة قد تتضمن صفاً من خلايا نظام الإطلاق العمودي للصواريخ وكفن للدفع النفاث المضخ، مما يمنحها قدرات هجومية بعيدة المدى، تمكنها من استهداف أصول البحرية الأمريكية والأهداف البرية البعيدة، كقاعدة غوام.
تواصل بكين تطوير قدراتها في الغواصات، وتلقيها مساعدة من روسيا في هذا المجال. ووفقاً لتقرير البنتاغون لعام 2023، تمتلك الصين أكبر عدد من السفن البحرية في العالم، حوالي 370 سفينة سطحية وغواصة، مع توقع بلوغها 65 غواصة عام 2025 و80 بحلول عام 2035.
يمثل غرق الغواصة انتكاسة كبيرة لبرامج الصين البحرية، باعتبار "تشو" قفزة نوعية في مجال الغواصات النووية. وتسعى الصين لتوسيع وتحديث أصولها البحرية ضمن طموحها بمضاهاة أو تجاوز واشنطن في قدرة الحرب تحت سطح البحر.
ويرى مراقبون أن هذا الحادث قد يرتبط بخطوط التجارة العالمية الصينية ومبادرة "الحزام والطريق"، بالإضافة إلى الخلافات الصينية الأمريكية، وخلافات الصين مع جيرانها الإقليميين حول بحر الصين الجنوبي والشرقي، ومع تايوان.
في المقابل، قامت واشنطن ببناء قواعد وتحالفات إقليمية لضبط الطموحات الصينية. ولمواجهة القوة الأمريكية، تقوم بكين بتطوير قدراتها بما يمكنها من استهداف القوات والقواعد الأمريكية، كقاعدة غوام.
تكرّس بكين تفوقها البحري داخل سلسلة الجزر الأولى الممتدة من الأرخبيل الياباني عبر تايوان والفلبين إلى بحر الصين الجنوبي، والذي تعتبره بحراً صينياً خالصاً، ويشكل مع مضيق ملقا رئة تجارتها العالمية.
تعمل الصين على اكتساب أحدث التقنيات في محاولة لبناء تفوق بحري ضد القوات الأمريكية التي تقوم بدوريات في المنطقة لتحييد التهديدات الصينية.
تشكل الغواصات النووية ركناً أساسياً من استراتيجية بكين، كونها جزء أساسي من الثالوث النووي. ويمكن تسليحها بطوربيدات وصواريخ مضادة للسفن، وبعضها قادر على ضرب منشآت العدو على الأرض. كما يمكنها جمع المعلومات الاستخبارية.
تتمتع الغواصات النووية بقدرة على التخفي والعمل بسرعات عالية والبقاء تحت الماء لعدة أشهر دون حاجة للتزود بالوقود، مما يجعلها مثالية للعمليات الطويلة ولجمع المعلومات الاستخبارية على المدى الطويل.
يرى خبراء أن غرق الغواصة قد يبطئ خطط الصين لتنمية أسطولها من الغواصات النووية، ويكشف عن نقص في الخبرة الشاملة، والآثار التراكمية لقضايا الرضا عن الذات.
يثير الغموض المحيط بالحادث تساؤلات حول مدى كفاءة وإمكانية الاعتماد على القدرات النووية الصينية المتزايدة، والمساءلة الداخلية لجيش التحرير الشعبي الصيني والإشراف على صناعة الدفاع الصينية، التي ابتليت منذ فترة طويلة بالفساد.
يصّعب السرية المحيطة بالحادث وانعدام الشفافية من تقييم الحجم الحقيقي للضرر أو الآثار البيئية والبشرية المحتملة. وقد يكون للحادث ارتباط باضطرابات داخل القيادة السياسية والعسكرية للصين.
يذكر أن حوادث مماثلة قد تم الإبلاغ عنها سابقاً، ومنها فقدان غواصة نووية صينية في البحر الأصفر، ونفت بكين وقوع الحادث.
تفتقر الصين للشفافية حيال نفقاتها الدفاعية، مع إبلاغ غير متسق عن الأرقام، مما أكسبها انتقاد الخبراء الدوليين.