مع تفاقم الأزمة الاقتصادية في سوريا، أصبحت الحوالات المالية من الخارج شريان حياة لملايين السوريين. ففي ظل تدهور الأجور وتراجع فرص العمل، تُقدّر قيمة هذه الحوالات بنحو 3.5 مليون دولار يوميًا، مما يساعد في إبقاء الداخل السوري على قيد الحياة.
يرى متخصصون أن تحرير سوق الصرافة من قبضة الأجهزة الأمنية ساهم في تنشيط حركة الحوالات وخلق ديناميكية جديدة للاقتصاد السوري المعتمد على الدعم المالي الخارجي.
الراتب لا يكفي… والحوالات هي الملجأ الأخير
منيرة القيسي، موظفة حكومية في دمشق، تقول إن راتبها الشهري (400 ألف ليرة سورية) لا يكفي الحاجات الأساسية، مما اضطرها للعمل في تدريس الأطفال. وتعتمد أسرتها المكونة من خمسة أطفال بشكل رئيسي على حوالة شهرية بقيمة 200 دولار من ابنها في ألمانيا، معتبرةً أن "الحوالات ضرورة مطلقة لاستمرار الحياة".
محمد محمود، موظف سابق، يقول إن غياب فرص العمل جعل الحوالة الشهرية من ابنه في هولندا (300 يورو) مصدر دخله الوحيد. ويضيف أن انخفاض أسعار المواد الغذائية لم ينعكس على الواقع بسبب غياب القدرة الشرائية وتفشي البطالة.
تحرير السوق: من التضييق إلى الانفتاح
راكان المرعي، صاحب شركة حوالات، يقول إن تحرر سوق الحوالات من القيود الأمنية كان أبرز التغييرات بعد سقوط النظام. ويوضح أن النظام السابق كان يحتكر الحوالات ويضع رقابة صارمة على التعامل بالعملة الأجنبية.
ويؤكد المرعي أن الحوالات الخارجية أصبحت عاملاً حاسماً في إعالة ملايين السوريين، حيث يسهم أكثر من ستة ملايين سوري في أوروبا وتركيا ودول الخليج في دعم عائلاتهم.
شركات جديدة تغيّر قواعد اللعبة
مدير صالة حوالات في دمشق يوضح أن السوق شهد تطوراً كبيراً مع دخول شركات جديدة تقدم خدمات تحويل خارجية لم تكن متاحة سابقاً. ويشير إلى أن الإقبال على هذه الشركات تضاعف، خاصة أنها تقدم أوراقاً نقدية جديدة.
ويضيف أن فتح قنوات تحويل من مختلف دول العالم ساهم في استقطاب الزبائن، وأن تحسّن سعر الصرف وحرية التعامل بأنواع متعددة من العملات جعل السوق أكثر تنافسية ومرونة.
تأثير محدود على الاستثمار… لكنه حاسم في المعيشة
الخبير الاقتصادي حيان حبابة يرى أن للحوالات دوراً إيجابياً في تحسين القدرة الشرائية، لكنه يؤكد أن هذا الدور محدود من الناحية الاستثمارية، حيث تُستخدم في تغطية الحاجات المعيشية فقط.
ويقدّر حبابة أن نسبة اعتماد الأسر السورية على الحوالات تتفاوت بين 10 إلى 70% من دخلها الشهري.
اقتصاد هشّ يقف على الدعم الخارجي
يبدو أن الاقتصاد السوري يعتمد بشكل كبير على الحوالات الخارجية كمصدر للدخل والسيولة. ومع استمرار تدهور الإنتاج المحلي، تحوّلت الحوالات إلى بديل عن الدولة في تأمين الإنفاق اليومي للأسر.
يبقى التحدي الأكبر هو تحويل هذا الدعم المالي إلى فرصة تنموية عبر وضع سياسات تشجع على الاستثمار وتوفر بيئة آمنة لتحويل الأموال إلى مشاريع صغيرة ومتوسطة.