يحذر الباحث المختص بالشأن السوري، زيدون الزعبي، من أن الخطر الحقيقي يكمن في النقاط التي لم يتم تناولها في الإعلان الدستوري الجديد، وليس في ما تم تضمينه. وفي مقال له بعنوان مماثل، أوضح الزعبي أن المشكلة تكمن في "ما كان ينبغي أن يُنصّ عليه بوضوح، تحاشياً لمشكلات وعقبات مستقبليّة تبدو حتمية، ما لم تُدخل بعض التعديلات وتُسد بعض الثغرات".
وذكر الزعبي في مقاله المنشور على موقع "سناك سوري"، أن الوثيقة الدستورية التي يكرسها الإعلان الدستوري ستكون حاضرة في كل حدث سياسي مهم خلال المرحلة الانتقالية، مثل تشكيل مجلس الشعب والمحكمة الدستورية، وحتى عند طرح قانون الأحزاب والمجتمع المدني، وغيرها. وأضاف: "الاستعجال في كتابة الإعلان تركه عرضة لهفوات كبيرة قد تؤثر في جوهره أولاً، وفي آليات تنفيذه ثانياً".
واستعرض الزعبي أهم النقاط التي غابت عن الإعلان الدستوري من وجهة نظره، ومنها:
غياب كلمة "الديمقراطية"
اعتبر الزعبي أن الأخطر هو غياب تحديد مصدر السلطات وصاحب السيادة. فالدساتير عادة ما تكرّس مبدأ "سيادة الشعب"، سواء بالقول إن الشعب هو مصدر السلطات أو بأنه يُحكم لصالحه ومن خلاله، عبر آليات ديمقراطية كحق الانتخاب. أما في هذا الإعلان، فلا إشارة إلى سيادة الشعب، ولا إلى الديمقراطية، مما يفتح الباب أمام فرضية أن مصدر السلطات قد يكون جهة أخرى. وأضاف أن الصورة تتعقد أكثر عند العودة إلى ما يُعرف بـ"الإعلان الدستوري الأول"، الصادر عن "مؤتمر النصر"، الذي اعتبر نفسه سلطة ثورية وفوّض الصلاحيات كاملة إلى الرئيس.
وبغياب أي توضيح في الإعلان الجديد عن مصدر السلطات أو آلياتها الديمقراطية، يصبح من المرجّح أن تتركز جميع الصلاحيات في يد الرئيس، وهذا، كما يقول الزعبي، هو الخطر الأكبر، لا سيما أن صلاحيات الرئاسة في المراحل الانتقالية غالباً ما تكون واسعة بطبيعتها، لذا، "الخطر في ما غاب، لا في ما حضر".
الزعبي: الخطر الأكبر هو جمع الصلاحيات بيد الرئيس، خصوصاً أن صلاحيات الرئاسة في المراحل الانتقالية غالباً ما تكون واسعة بطبيعتها.
ثغرات الآليات القانونية
على الرغم من أن الإعلان ينزع من الرئيس صلاحيات التشريع، وهو الأمر الذي اعتبره الزعبي تطوراً نادراً منذ عهد سيطرة حزب البعث، إلا أنه لم يقدم البديل الواضح. فعملية انتخاب مجلس الشعب، التي تبدأ بتشكيل لجنة انتخابية وتنتهي بانتخاب أعضاء المجلس، تفتقر لأي أساس قانوني يُعتمد عليه. والقانون الانتخابي القائم لا يتماشى مع الآليات الجديدة، ولا توجد جهة مخوّلة الآن بتشريع قانون انتخابي جديد، فالرئيس لا يملك صلاحية التشريع، والمجلس التشريعي لم يُنتخب بعد! بالتالي، نحن أمام فراغ قانوني خطير.
وبحسب وجهة نظر الباحث، كان الأجدى أن يحدد الإعلان النظام الانتخابي المطلوب، أو أن يمنح الرئيس صلاحية تشريعية مؤقتة، حتى يتم انتخاب مجلس الشعب، لكن دون ذلك، فإن المعضلة قائمة، ومرة أخرى "الخطر في ما غاب، لا في ما حضر".
الزعبي: كان الأجدى أن يحدد الإعلان النظام الانتخابي المطلوب، أو أن يمنح الرئيس صلاحية تشريعية مؤقتة، حتى يتم انتخاب مجلس الشعب.
غياب المهل الزمنية
الإعلان الدستوري لا يضع سقفاً زمنياً واضحاً لمهام السلطات، رغم أن العملية الانتقالية تعتمد على الجدولة والتوقيت. فالمادة 24 مثلًا، تنص على أن الرئيس يُكلَّف بتشكيل لجنة للإشراف على انتخاب ثلثي أعضاء مجلس الشعب، لكن دون تحديد موعد للبدء أو للانتهاء من هذه المهمة. ومن هنا ومع غياب صلاحيات تشريعية لدى الرئيس، يرى الزعبي أن البلاد قد تنتظر طويلاً قبل إنجاز أي إصلاح قانوني، وهو ما قد يشلّ الحياة السياسية، وهذا بدوره يعيدنا إلى الإشكال المركزي "الخطر في ما غاب، لا في ما حضر".
لا آلية لوضع دستور دائم
لم يأتِ الإعلان على ذكر أي خطة أو هيئة تأسيسية لوضع دستور دائم للبلاد، فلا نعرف من سيكتب هذا الدستور، ولا كيف سيتم تشكيل هذه الهيئة، ولا من الجهة المخوّلة بذلك، ولا المدة الزمنية المتوقعة لإنجازه. غياب هذه التفاصيل كما يقول الباحث يُبقي مصير البلاد الدستوري في حالة من الغموض المقلق، وهنا أيضًا، يكمن الخطر في ما غاب.
غموض حول المرحلة الانتقالية
تنص المادة 52 على أن المرحلة الانتقالية مدتها خمس سنوات ميلادية تبدأ من تاريخ نفاذ الإعلان، وتنتهي بعد إقرار دستور دائم، إلا أن الإعلان لا يحدد متى يبدأ العمل على هذا الدستور، ولا كيف، مما يفتح باب التأويل هل يجب إنجازه خلال السنوات الخمس؟ أم أن السنوات الخمس لا تُحسب فعلياً إلا بعد إنجاز الدستور؟ هذا الغموض قد يُستخدم لاحقاً لتبرير تمديد المرحلة الانتقالية لأجل غير مسمى، ما لم تُحسم هذه النقطة بشكل واضح منذ البداية.
ومع ذلك يؤكد الزعبي أنه مايزال عند رأيه بأن هذا الإعلان واحد من أفضل الوثائق الدستورية السورية، كونه «أول نص يذكر حقوق الإنسان بوضوح وصراحة، وأول نص يبعد السلطة التنفيذية عن التشريع، وأول نص يتحدث عن حقوق لغوية وثقافية للمكونات، وأول نص يعلي سمو الاتفاقيات الدولية».
ومع ذلك يقول إنه «نصّ يعاني من ثغرات معقدة وخطيرة، وما لم يُعمل على تلافيها بتعديلات سريعة، وإيجاد مخارج لبعض القضايا الملحة (ربما تكون آلية انتخاب مجلس الشعب أهمها) فإننا سنواجه معضلات حقيقية نحن في أمس الحاجة إلى تحاشيها، فهذا بلد يُبنى في حقل ألغام رهيب، لا تجوز المغامرة فيه بأي خطوة غير محسوبة!».