لمى أحمد إسكندر ما تزال تتذكر جيدًا كيف كان شعورها وفرحة الكثير من السوريين الآخرين عندما تم إسقاط نظام الديكتاتور الرئيس بشار الأسد في سوريا في بداية شهر كانون الأول/ديسمبر 2024. وفي فعالية أقامها مركز الأبحاث “مركز العمل الإنساني” ومؤسسة كاريتاس الدولية في برلين، قالت الدبلوماسية السورية السابقة لمى أحمد: “بوسعنا أن نأمل من جديد”.
في عام 2013، لجأت لمى أحمد إلى ألمانيا. وقد اندمجت جيدًا، وأصبحت تعمل في إدارة بلدية بولاية براندنبورغ، وتدافع كناشطة حقوقية عن حقوق الأطفال وتكافؤ الفرص. ومع ذلك فهي تفكّر إن كان يجب عليها العودة إلى سوريا للمساعدة في إعادة البناء. إلى بلد يعيش فيه 90 بالمائة من سكانه في فقر، و40 بالمائة يعيشون حتى في “وضع حرج”، كما يصف رئيس منظمة الإغاثة كاريتاس الدولية أوليفر مولر: “الناس يعيشون في منازل مدمرة – من دون تدفئة ومن دون ماء جارٍ، ومع ساعتي كهرباء فقط في اليوم؛ ومع انتشار سوء التغذية على نطاق واسع”.
كما أنَّ 70 بالمائة من الأطباء والعاملين في مجال الصحة غادروا سوريا، وهناك أطفال في سن 13 عامًا لم يذهبوا إلى المدرسة قط، كما يقول أوليفر مولر: “سوريا منهكة”. ورئيس مؤسسة كاريتاس لا يسمع سوى القليل عن الأمور الإيجابية من زملائه، الذين يحاولون مساعدة الناس في سوريا. ويقول: “يجب الآن في البداية وبشكل مكثّف جدًا تأمين البقاء، وأعتقد أنَّ هذا سيستغرق فترة طويلة وحتى مع وجود توقعات إيجابية”. ويقول أوليفر مولر إنَّ التشاؤم ينبع أيضًا من حقيقة أنَّ الحكومة الانتقالية وعدت الشعب ببداية جديدة ولكنها لا تعمل: “ربما لا يمكنها العمل لأنَّ الظروف سيئة للغاية”، كما يفترض.
وفي هذا الصدد تقول لمى أحمد: “يجب أن نكون واقعيين”، مُخفًّفة بذلك التوقعات الكبيرة للغاية من الجماعات المسلحة بقيادة ميليشيا هيئة تحرير الشام الإسلاموية وزعيمها أحمد الشرع، الذي تم تنصيبه رئيسًا انتقاليا في نهاية كانون الثاني/يناير. وتضيف أنَّهم “يحاولون جاهدين، ولكنهم يرتكبون أخطاءً كثيرة. لأنهم أعضاء جماعة عسكرية لا توجد لديها أية خبرة الحكم”.
وما تزال العقوبات المفروضة من قبل الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد الأوروبي سارية مثل ذي قبل في مجالات كثيرة. وحول ذلك يقول أوليفر مولر: “حتى الشركات الصغيرة تواجه صعوبات في الحصول على قطع ووحدات إنتاج لأنَّها مدرجة على قائمة ما من قوائم العقوبات. وبصفتنا منظمة إغاثة فنحن نواجه العقوبات بشكل خاص في التحويلات المالية، التي تعتبر عملية معقدة ومكلفة وتستغرق وقتًا طويلًا للغاية”. ويضيف أنَّ البنوك الألمانية ترفض التحويلات إلى سوريا خوفًا من ارتكابها خطأ ما. والحذر كبير بشكل خاص في القطاع المالي منذ فرض الولايات المتحدة الأمريكية عقوبات شديدة على أي انتهاك للعقوبات. ومع ذلك فقد تم الآن حذف أهم البنوك السورية من قوائم العقوبات، ولكن يبدو أنَّ هذه المعلومة لم تنتشر بشكل كافٍ.
ويقول توبياس تونكل، وهو مدير مكتب الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في وزارة الخارجية الألمانية، إنَّ العقوبات تعتبر للأسف موضوعًا “معقدًا للغاية”. ويضيف أنَّ إلغاءها بشكل شامل غير مستحسن، وذلك لأنَّ الاتحاد الأوروبي فرضها أيضًا على بعض الأفراد. وطبعًا لا أحد يريد أن يمنح “الأسد وشبيحته” إمكانية الوصول من جديد إلى الأموال المجمدة في البنوك الأوروبية. ويضاف إلى ذلك أنَّ الثقة في الحكومة الانتقالية في سوريا محدودة، “وإذا سارت الأمور مرة أخرى في الاتجاه الآخر، فيجب عندئذٍ أن تكون هناك آلية يمكنها إعادة فرض العقوبات التي تم إلغاؤها”، كما يقول توبياس تونكل.
كما أنَّ أعمال العنف الأخيرة ضد العلويين لم تؤدي إلى زيادة الثقة. فقد وقعت في شهر آذار/مارس في المدن الساحلية معارك عنيفة ومذابح أسفرت عن قتل 1000 شخص على الأقل. ولذلك فإنَّ القلق كبير من أنَّ الحكومة الانتقالية لا توجد لديها سيطرة كافية وأنَّه ما تزال توجد في سوريا تربة خصبة للتطرف والإرهاب.
لقد ربطت الحكومة الألمانية الحالية تعهداتها بتقديم مساعدات إلى سوريا بضرورة ضمان الحريات والأمن والفرص لكل الناس في سوريا، كذلك للنساء ولأفراد جميع المجموعات العرقية والأديان. يتولى في الحكومة الجديدة الحزب المسيحي الديمقراطي المحافظ وزارة الخارجية. أما الوزارة الاتحادية للتعاون الاقتصادي والتنمية فستبقى في يد الحزب الاشتراكي الديمقراطي. ومفوض شؤون الشرق الأوسط توبياس تونكل يعتقد بشدة أنَّ الحكومة الألمانية الجديدة أيضًا ستواصل “عملها من أجل سوريا”. ويقول إنَّ احتمال نجاح العملية الانتقالية كبير إذا شاركت ألمانيا. وأنَّ هذا ليس “تفضيلًا حزبيًا سياسيًا”، بل يتوافق مع مصالح ألمانيا.
بيد أنَّ رئيس مؤسسة كاريتاس الدولية أوليفر مولر يفترض أنَّ تقديم المساعدات لسوريا يبقى مرتبطًا بشروط. ويقول: “من الواضح للجميع أنَّنا لا نريد تقديم مساعدة مالية أو سياسية لنظام على شاكلة طالبان. وأعتقد أنَّنا يجب أن نكون صادقين ونحدد بوضوح ما هو هدف مساعدتنا”. وبحسب التقديرات الأولية فإنَّ إعادة إعمار سوريا ستكلف على الأقل 250 مليار دولار. ويا ترى بماذا تستطيع وتريد ألمانيا المساهمة؟.
والأوروبيون، وبالتالي ألمانيا أيضًا، منشغلون بالحرب في أوكرانيا. أما سوريا فلم تعد منذ فترة طويلة في محور الاهتمام. كما أنَّ وضع ميزانية الحكومة الألمانية الجديدة صعب وستضطر إلى التوفير. ومؤخرًا قدّمت ألمانيا في شهر آذار/مارس 300 مليون يورو للمساعدات الإنسانية. ولكن توبياس تونكل يرى أنَّ مهمة الحكومة الألمانية لا تقتصر فقط على تقديم الأموال، بل تشمل قبل كل شيء تهيئة الظروف المناسبة من أجل تحسين سبل العيش في سوريا. ويقول: يجب على المجتمع الدولي أن “يعتني بسوريا” حتى يتمكن الشعب السوري من تشكيل العملية الانتقالية بنفسه، ومن دون تدخل جهات خارجية”.
بيد أنَّ رئيس مؤسسة كاريتاس أوليفر مولر يتمنى من الحكومة الألمانية أيضًا تقديم مساهمة مالية. دعم تمويلي من أجل تحسين الوضع في سوريا؛ حتى يتمكن الكثير من اللاجئين السوريين والمستثمرين من العودة إلى سوريا للمساعدة في إعادة الإعمار. وبعد سقوط نظام الأسد، دار الحديث بسرعة في ألمانيا عن أنَّ الكثير من اللاجئين يمكنهم الآن العودة إلى وطنهم. ولكن هذه العودة ستكون إلى المجهول. كما أنَّ عودة اللاجئين التجريبية على سبيل “الزيارة لمشاهدة الوضع” أولًا قبل اتخاذ قرار العودة النهائية ممنوعة بموجب قانون اللجوء الألماني.
وفي هذا الصدد يقول توبياس تونكل لا بد من تغيير هذا القانون، مشيرًا إلى تركيا. فهناك يمكن للاجئين السوريين السفر إلى سوريا ثلاث مرات حتى شهر حزيران/يونيو ليقرروا إن كانت عودتهم أصبحت ممكنة. ويقول توبياس تونكل مقيمًا الوضع: “ما تزال الشروط من أجل العودة غير متوفرة هناك”. وهكذا ترى الوضع أيضًا الناشطة السورية لمى أحمد إسكندر عندما تفكر في مستقبلها. ولكنها تقول إنَّها لديها أمل، ويوجد في سوريا “بصيص أمل صغير”، ولكن: “نحن ما نزال في البداية”. وتضيف أنَّ الطريق طويل إلى الحرية والديمقراطية: “ربما لا تقودنا الخطوة الأولى إلى الهدف، ولكننا نتقدّم وهذا مهم جدًا بالنسبة لنا”.
زابينه كينكارتس – دويتشه فيله