الثلاثاء, 13 مايو 2025 08:43 PM

أزمة مياه حادة تلوح في أفق ريف دمشق: خطط طوارئ لمواجهة النقص

أزمة مياه حادة تلوح في أفق ريف دمشق: خطط طوارئ لمواجهة النقص

عنب بلدي – كريستينا الشماس تزداد مخاوف سكان مناطق ريف دمشق من قلة وصول المياه لأحيائهم السكنية مع اقتراب فصل الصيف، فما زالت معاناتهم تتكرر كل سنة، إذ تضخ المياه لمناطقهم في أحسن الأحوال مرة أو مرتين في الأسبوع تزامنًا مع انقطاع الكهرباء. وما يجعل الأمر أكثر تعقيدًا هذا العام، قلة منسوب مياه الأمطار في الشتاء الماضي، الذي لم يتجاوز 33% من معدل الهطول السنوي.

مصير متشابه

“نفس المعاناة ونفس المطالب نكررها كل سنة”، هكذا عبرت ريم محلا التي تعيش في منطقة الباردة بريف دمشق، عن معاناة أهالي المنطقة من قلة ضخ المياه، والتي تصلهم في أغلب الأحيان مرة في الأسبوع. ولا تستطيع ريم، وفق ما قالته لعنب بلدي، تعبئة المياه، لعدم وجود مضخة تساعد في وصول المياه إلى الخزان الموجود على سطح البناء، ما دفعها للاعتماد بشبه كامل على الصهاريج، بتكلفة 180 ألف ليرة شهريًا (الدولار يقابل 12 ألفًا)، ما شكل عبئًا إضافيًا على مصروف العائلة المكونة من خمسة أفراد. وتتشارك جيزيل حداد نفس المعاناة في منطقة قطنا، إذ تصل المياه مرتين في الأسبوع وتحديدًا في موعد انقطاع الكهرباء، ويتفاوت ضخ المياه بين اليومين، فإذا كان ضخ المياه قويًا في المرة الأولى يكون العكس في الثانية، وبالتالي لا يستطيع معظم الأهالي تعبئة المياه. ولا يختلف الحال في منطقتي الكسوة وجديدة عرطوز، فبحسب شهادات مواطنين تحدثت إليهم عنب بلدي، توجد أحياء تصلها المياه مرة في الأسبوع بوقت غير منتظم، وأحياء محرومة كليًا، ولم يتلقَ الأهالي استجابة لمطالبهم المتكررة بتحسين حال المياه منذ سنوات. أحمد حسن، من سكان منطقة الكسوة، قال إن قسمًا من الأحياء لا تصلها المياه بسبب تضرر الشبكات التي تعود إلى ما يقارب 30 عامًا، وإصلاحات الشبكة تكون على نفقة المجتمع الأهلي، في حين يقتصر عمل وحدة المياه على إمدادهم بالعمال والمعدات. في بلدات الغوطة الشرقية، عبر السكان عن قلقهم حيال عدم وصول المياه إلى مناطقهم، إذ يعتمدون على الآبار المحلية، لكن منذ عام 2018 انخفض منسوب المياه فيها بشكل ملحوظ. ويعتمد أهالي الغوطة الشرقية على “الغطاسات” لاستخراج المياه من الآبار، ويزداد الحال سوءًا بقلة منسوب مياه الأمطار.

الحل مكلف

تعتمد أغلبية السكان في أرياف دمشق على تعبئة مياه غير صالحة للشرب من الصهاريج، بتكلفة تتراوح بين 45 و50 ألف ليرة للخزان بسعة 5 براميل، في حين تبلغ تعبئة خزان بسعة 10 براميل بين 60 و70 ألف ليرة. بينما يحصلون على مياه الشرب من خلال تعبئة الأواني البلاستيكية (بيدونات) من المحال تجارية، وتبلغ تكلفة “البيدون” (20 ليترًا) ما يقارب 6 آلاف ليرة. ولحل مشكلة وصل المياه تزامنًا مع انقطاع الكهرباء، يعتمد بعض الأهالي على الاشتراك في “الأمبيرات”، إلا أن تكلفة الاشتراك في الأسبوع تتراوح وسطيًا بين 80 و100 ألف ليرة. ولجأ آخرون إلى تركيب ألواح من الطاقة الشمسية، ورغم انخفاض أسعارها بعد سقوط النظام، ما زالت تفوق قدرة المواطن على امتلاكها، ويتراوح سعر اللوح الواحد منها بين 60 و200 دولار حسب نوعها واستطاعتها.

نبع الفيجة لم يعد مصدرًا آمنًا

مدير المؤسسة العامة لمياه الشرب في محافظة دمشق وريفها، أحمد درويش، تحدث في مقابلة مع عنب بلدي، عن المعوقات التي تواجه المؤسسة والخطط المستقبلية. وقال درويش، إن بعض مناطق ريف دمشق تعتمد بجزء من تغذيتها على محطات دمشق، بالإضافة إلى الآبار المحلية الموجودة في كل منطقة، سواء كانت حاصلة على تراخيص منزلية أو زراعية. وأوضح مدير مؤسسة المياه أن لكل مجتمع (قرية أو بلدة أو مدينة) مصادر خاصة من المياه، ولا يوجد أي منطقة في ريف دمشق دون مصدر مائي، وبعض المناطق قد لا يكفيها المصدر الخاص بها، وبالتالي يضطر الأهالي للشراء من مناهل خاصة في المنطقة. لكن درويش أكد أن الآبار في مناطق الريف غير كافية لتغطية احتياجات المواطنين، وما يزيد الأمر تعقيدًا هو نقص كميات المياه في نبع الفيجة، الذي لم يعد مصدرًا آمنًا لتغذية دمشق وريفها.

معوقات تواجه المؤسسة

تعاني المؤسسة العامة لمياه الشرب من نقص إمداد المياه من النبع الرئيس المغذي لدمشق وريفها، وضعف مناسيب المياه في كل المصادر الرئيسة أو الجانبية أو الثانوية المحيطة بالنبع الرئيس. ووفقًا للمدير العام للمؤسسة، أحمد درويش، فإن حوض دمشق جرى استنزافه وعدم إراحته هذه السنة، لقلة منسوب المياه في نبع الفيجة، الذي كان يعتمد عليه بشكل أساسي، دون الحاجة للجوء إلى تشغيل ينابيع أو آبار خارجية. وحصر درويش أسباب قلة منسوب المياه لعام 2025 بعدة عوامل: قلة الهطولات المطرية في الشتاء الماضي، والتي لم تتجاوز نسبة 33%. التغيرات المناخية التي تمر بها سوريا. انخفاض ملحوظ في مياه حوض دمشق إلى 150 مل، والتي كانت تصل في السنوات الماضية لما يقارب 500 مل، ما دفع السكان للحصول على موارد مائية بطرق غير شرعية، خاصة عن طريق حفر آبار سطحية بعمق من 5 إلى 7 أمتار. تزايد في عدد السكان وبالتالي زيادة احتياجهم للمياه.

خطة طوارئ

بحسب درويش، تعمل مؤسسة المياه على خطة طوارئ، بتجهيز أكثر من 100 بئر داخل المدينة، لاستثمارها في تغطية النقص المتوقع من نبع الفيجة، موزعة في العقدة الخامسة والثامنة والسادسة، ومناطق الربوة والقدم وبردى وجديدة يابوس. وستعتمد المؤسسة في فصل الصيف التوزيع المماثل من الينابيع الرئيسة على ريف دمشق ومحيطها، ويتم العمل على إصلاح الآبار المحلية في الأرياف، إما عن طريق المؤسسة أو جهات داعمة كمنظمات محلية ودولية مثل “لجنة الصليب الأحمر” و”يونيسف”. ويحث درويش المجتمع الأهلي على ترشيد استهلاك المياه، نظرًا إلى وجود ما يقارب مليوني أسرة في ريف دمشق. وإذا اتبعت الأسر إرشادات توفير المياه، ستسهم في حل نسبي للمشكلة، فقد يصل التوفير لما يقارب 15 ألف متر مكعب يوميًا في حال توفير كل أسرة 10 ليترات من المياه.

مشاركة المقال: