الأربعاء, 30 أبريل 2025 02:48 PM

وثائق عالقة: معاناة السوريين تتفاقم بسبب أزمة الاعتراف بالوثائق الرسمية بعد سقوط الأسد

وثائق عالقة: معاناة السوريين تتفاقم بسبب أزمة الاعتراف بالوثائق الرسمية بعد سقوط الأسد

بعد سقوط نظام الأسد في الثامن من كانون الأول 2024، يواجه نحو مليوني سوري كانوا يقيمون في مناطق سيطرة الحكومة السورية المؤقتة (المعارضة) تحديات بسبب الاعتراف بوثائقهم الرسمية.

بعيداً عن ابتهاج السوريين بسقوط النظام السوري، في الثامن من كانون الأول/ ديسمبر 2024، الذي أتاح للعديد من المهجّرين العودة إلى ديارهم أو التجول بين المحافظات السورية من دون مخاوف أمنية أو تحمّل تكاليف ومخاطر طرق التهريب، برزت العديد من التحديات التي رسخّها تقسيم سوريا إلى مناطق نفوذ، منها عدم اعتراف الإدارة السورية الجديدة بالعديد من الوثائق الرسمية الصادرة عن إدارات المناطق الأخرى.

في اليوم التالي لسقوط الأسد، كلّف الرئيس السوري الحالي، الذي قاد عملية “تحرير سوريا”، محمد البشير، رئيس حكومة الإنقاذ، حكومة سورية جديدة لإدارة المرحلة الانتقالية، واعترفت الأخيرة بالوثائق الصادرة عن حكومتي النظام البائد، فيما لم تعترف بالوثائق الصادرة عن الحكومة السورية المؤقتة (المعارضة)، لا سيما البطاقات الشخصية، التي يحتاجها المواطنون لتسيير أمورهم ومعاملاتهم اليومية، كما اشتكى العديد من المصادر.

حاول أحمد عبوش، 48 عاماً، صاحب محل موبايلات في حي الشعار بمدينة حلب، الشهر الماضي، الحصول على خدمة خطوط الإنترنت الأرضية لمحله، وعندما قدم الطلب “في مقسم سناء محيدلي”، طلب الموظف هويته، لكنه “رفض استكمال الطلب، قائلاً: هويتك هوية مجلس محلي [تابع للحكومة المؤقتة] ولا يمكن قبولها”.

توجه عبوش إلى مكتب مدير المقسم متلمساً قبول طلبه، لكن الأخير “صرخ في وجهي، وقال هذه تعليمات من الوزير، لا يمكن قبول طلبك بهويتك الحالية”. وعندما التقى محافظ حلب مع الفعاليات المدنية في حلب، في اجتماع ضم خمسين شخصاً تقريباً، حضر عبوش الاجتماع وطرح مشكلته، فكان رد المحافظ أن “مشكلتي ستُحل قريباً، لأنهم ينتظرون البيانات من تركيا”.

فقد عبوش بطاقته الشخصية الصادرة عن النظام السابق أثناء فترة إقامته في الباب، ما دفعه إلى طلب “بدل ضائع” من المجلس المحلي في المدينة، التابع للحكومة المؤقتة. تساءل قائلاً: “هل يُعقل أن تتوقف معاملات الناس حتى تصل البيانات من تركيا؟ وكم سيستغرق حل مشكلة الوثائق”، وأضاف متهكماً: “كأنني أحمل ورقة فارغة لا هوية شخصية!”.

تعليقاً على ذلك، قال عبد الرزاق عبد الرزاق، مسؤول الأحوال الشخصية في المجلس المحلي لمدينة الباب بريف حلب الشمالي، أنه تواصل مع محافظ حلب، الذي أبلغه أن “مشكلة الوثائق في طريقها إلى الحل”، مضيفاً: “لا يوجد خطة زمنية بالنسبة لنا لأن الملف عند الحكومتين السورية والتركية”.

ومع ذلك، يمكن لعبوش وأمثاله من الأشخاص الذين يحملون بطاقات شخصية صادرة عن المجالس المحلية التابعة للحكومة السورية المؤقتة “استخراج إخراج قيد لدى مؤسسات الحكومة الجديدة لتسيير الأعمال الضرورية، وهو حل مؤقت”، وفقاً له.

“إخراج القيد” حل ينطبق على الأشخاص الذين لهم بيانات سابقة لدى النظام السابق، أما الولادات السورية المدونة لدى دوائر المعارضة فقط لا يمكنها الاستفادة من هذا الحل قبل الاعتراف بوثائقهم.

تختزل قصة عبوش معاناة سكان مناطق نفوذ الحكومة السورية المؤقتة، في شمال غرب سوريا، البالغ عددهم ، وكذلك مناطق نفوذ قوات سوريا الديمقراطية (قسد) في شمال شرق البلاد، حيث صار هؤلاء تحت حكم الإدارة الجديدة بعد إلى اتفاق مع “قسد” في العاشر من الشهر الماضي.

رغم مرور نحو أربعة أشهر على سقوط الأسد، لم تحلّ الإدارة السورية الجديدة أزمة الوثائق، التي لا تقتصر على الأوراق الثبوتية بعينها، وإنما تمتد تأثيراتها إلى مجالات أخرى، قد تكون أشد ضرراً، مثل العملية التعليمية، كما حصل مع الطالب سفيان الأعرج وشقيقه.

بعد سقوط النظام “انتقلت عائلتي من مدينة اعزاز إلى دير حسان بمحافظة إدلب”، أي من مناطق سيطرة الحكومة السورية المؤقتة إلى مناطق هيئة تحرير الشام، الذي حاول بمجرد انتقاله تقديم أوراقه لاستئناف تعليمه “في الصف الثالث الثانوي العلمي”، وشقيقه “في الصف الأول الثانوي”، لكن مدير المدرسة “اشترط علينا تعديل شهاداتنا الإعدادية [المتوسطة]”، الصادرة عن الحكومة السورية المؤقتة “حتى نستطيع استكمال تعليمنا”.

بعد أسابيع من المحاولات، حصل الشقيقان على “قبول شرطي في إدلب إلى حين صدور قرار نهائي بحقهما”، لكن القبول جاء بعد انقضاء امتحانات الفصل الأول، لذا قرر سفيان استئناف تعليمه في مدرسته السابقة في اعزاز “تجنباً لخسارة فرصة التخرج من الثانوية هذا العام”.

وبذلك، اضطر سفيان إلى الابتعاد عن عائلته “وتحمل أعباء مادية وجسدية ونفسية أيضاً في سبيل ضمان مستقبلي التعليمي”، على حد قوله، وهي أعباء تنطبق على طلبة شمال غرب سوريا وعائلاتهم، التي تزيد ضغوط الحياة اليومية عليهم.

تعليقاً على ذلك، قال الأستاذ عبد الحكيم الدغيم، مدير مدرسة عقبة بن نافع للبنين في منطقة دير حسان بإدلب، أن المشكلات المتعلقة بشهادات الحكومة المؤقتة قد حُلَّت جزئياً، مؤكداً “قبول الطلبة من حملة شهادات الحكومة المؤقتة في مدارس إدلب”، لكن “هناك تعميم بعدم قبول تسجيل طلبة الصف التاسع بهوياتهم الصادرة عن الحكومة المؤقتة، والطلب منهم استخراج هويات جديدة”.

يعني ذلك، دخول الطلبة في دوامة استخراج أوراق جديدة، بالاعتماد على “الثبوتيات القديمة أو ما يعادلها من دفتر عائلة وجواز سفر”، وقد يستغرق وقت صدورها “نحو شهر”,

رداً على ذلك، قال محمد علاق، رئيس دائرة الإحصاء في مديرية التربية بمحافظة إدلب، أن “مشكلة قبول الطلبة القادمين من مناطق الحكومة المؤقتة السابقة كان يشوبها بعض الملابسات وهي حالياً قيد الحل”، مشيراً إلى أنه “صدر تعميم لجميع المدارس بقبول الطلبة القادمين من مناطق الحكومة المؤقتة بشكل فوري”,

تعليقاُ على ذلك، قال المحامي والناشط عمر البيسكي من مدينة قباسين بريف حلب الشمالي، أن “كثيراً من المسؤولين يبررون رفض الوثائق بوجود أخطاء فيها، فهل وثائق مليوني شخص فيها أخطاء”، وأكمل حديثه مستنكراً: “هم لا يريدون أن يقولوا بأنهم يرفضون هذه الوثائق بشكل صريح، لذا يضعون مبررات غير حقيقية لرفضها”.

وفي هذا السياق، قال المحامي علاء ددو، الخبير في القانون الإداري، أن “المجالس المحلية التابعة للحكومة السورية المؤقتة أصدرت البطاقات الشخصية بأرقام تركية، كون هذه المجالس خاضعة لإشراف الولايات التركية القريبة منها”، وبالتالي “صار المواطن السوري في الشمال يحمل رقماً تركياً مثله مثل أي أجنبي مقيم في تركيا”,

اعتبر ددو أن قرار عدم الاعتراف بهذه الوثائق وضرورة توحيد الوثائق السورية صائب، لكنه في نفس الوقت “أضاع حقوق العديد من المواطنين”، ليس في قطاع التعليم فحسب، وإنما في قطاعات أخرى، إذ لم تعترف الإدارة الجديدة بجميع الأحكام الصادرة في مناطق الحكومة المؤقتة، وفقاً له.

سبق لوزارة التربية والتعليم العالي، أن قائمة الجامعات الحكومية والخاصة المعترف به، مطلع العام الحالي، واستثنت بقرارها آنذاك الجامعات الخاصة العاملة في مناطق سيطرة الحكومة المؤقتة، شمال غرب سوريا، إلى أن تم بها في شباط/ فبراير الماضي.

وفي آذار/ مارس الماضي، وزير التربية والتعليم في حكومة تصريف الأعمال، نذير القادري، قراراً يقضي بمعادلة الشهادات التعليمية الصادرة عن الحكومة السورية المؤقتة بمختلف مراحلها وفروعها، وأكد القرار على أن حاملي هذه الشهادات سيتمتعون بنفس الحقوق التي يتمتع بها حاملو الشهادات المماثلة الصادرة عن وزارة التربية والتعليم.

مشكلة الاعتراف بالوثائق، هي أزمة رافقت السوريين خلال السنوات الماضية، بما في ذلك سكان شمال غرب سوريا، الذين كانوا يستطيعون التنقل بين مناطق سيطرة حكومة الإنقاذ والحكومة السورية المؤقتة، لكنهم في نفس الوقت يحتاجون إلى عن كل حكومة لإجراء معاملاتهم الإدارية.

ومع تعقيد المشهد الإداري وتضارب المعلومات بين المصادر الحكومية، تستمر معاناة المواطنين في ظل غياب حلول عملية وشاملة، مشيراً إلى أن “المشكلة تبدأ برفض الوثائق وتتطور لتصبح مصدراً للضغط النفسي والاجتماعي”.

“كان على الحكومة الحالية تسيير أمور المواطنين بالاعتماد على هوياتهم الحالية بشكل مؤقت، مع إعطاء مهلة كافية لاستخراج هويات جديدة”,

وختم ددو: “لا ينبغي عرقلة احتياجات المواطنين إلى حين وصول البيانات من تركيا، وإنما يمكن مطابقة البيانات عند وصولها مع المعلومات الموجودة لدى الحكومة”.

مشاركة المقال: