الأربعاء, 30 أبريل 2025 04:49 PM

فيلم "وما أدراك ما صيدنايا": شهادات مروعة تكشف فظائع سجون الأسد

فيلم "وما أدراك ما صيدنايا": شهادات مروعة تكشف فظائع سجون الأسد

في عرضٍ مؤثّر احتضنته دار الأوبرا في دمشق، وبحضور صحفيين وناشطين وذوي معتقلين، كُشف النقاب عن الفيلم الوثائقي «وما أدراك ما صيدنايا»، من إنتاج قناة الجزيرة، وإخراج المخرج السوري عبدو مدخنة. الفيلم يسلّط الضوء على واحدة من أكثر الصفحات ظلمةً في تاريخ سوريا الحديث، ويعيد إلى الواجهة ملفًا لا يزال ينزف: ملف المفقودين والمعتقلين.

توثيق سنوات العذاب… من 1987 إلى 2024

يقول أحد منتجي الفيلم، ناصر عدنان، لمنصة سوريا 24 إن الفيلم هو محاولة تأريخية توثيقية لما جرى داخل سجن صيدنايا، ليس فقط بعد عام 2011، بل منذ تأسيسه في عام 1987، وحتى تحريره في نهاية عام 2024. يضيف أن الفيلم يروي، عبر صور وشهادات ووثائق، التسلسل الزمني للسجن: من مرحلة الإنشاء، إلى فترات العصيان، ومرحلة تصعيد العنف بعد اندلاع الثورة السورية، حيث تحوّل السجن إلى أداة مركزية في آلة القمع والتعذيب والقتل الممنهج.

سلّط الفيلم الضوء على تفاصيل البنية الداخلية لسجن صيدنايا، وكشف قصصًا لمعتقلين سابقين وسجّانين، بعضهم أبدى ندمه، وآخرون اختبأوا خلف أرقام. وقد أبرز الفيلم كيف تعامل النظام مع السوريين داخل السجن كأرقام لا كأشخاص، حيث يُنزع عن المعتقل اسمه، ويُحال إلى رقم يُعذَّب به ويموت به دون أن يُذكَر.

عدنان شدّد على أن الفيلم ليس مجرد رصد لانتهاكات، بل مساهمة في بناء ذاكرة وطنية ورفع صوت الضحايا، مؤكدًا أن «هذه السجون ليست مجرد جدران، بل قضية وطنية تمس كل بيت في سوريا».

ملف حيّ رغم الصمت: المعتقلون والمختفون قسرًا

تأتي أهمية هذا الفيلم في سياق أوسع يتمثل في الأرقام الصادمة التي وثّقتها منظمات حقوقية مستقلة. ووفقًا لأحدث تقرير صادر عن الشبكة السورية لحقوق الإنسان حتى نهاية عام 2024، لا يزال ما لا يقل عن 112,414 شخصًا في عداد المختفين قسرًا على يد النظام السوري، رغم الإفراج عن بعض المعتقلين في الأشهر الأخيرة. وقد تم توثيق 2,623 حالة اعتقال تعسفي جديدة خلال عام 2024 فقط، منها 349 حالة في شهر ديسمبر وحده، في حين تشير الشبكة إلى أن كثيرًا من المعتقلين السابقين لم يُعرف مصيرهم حتى الآن، بعد أشهر من سقوط نظام الأسد، في ظل تغيُّب العدالة وانعدام الشفافية.

من الاعتقال إلى الإبادة الصامتة

يروي الفيلم، من خلال شهادات أربعة معتقلين سابقين، تفاصيل دقيقة عن أساليب التعذيب، والتجويع، والإذلال، والقتل تحت التعذيب. شهادات لا تترك للمُشاهد مفرًّا من المقارنة بين الألم الفردي والمعاناة الجماعية، وتكشف أن صيدنايا لم يكن مجرد سجن، بل محرقة صامتة على مدى عقود.

راما إبراهيم: هذا الفيلم بكى نيابةً عنّا

الصحفية راما إبراهيم، وهي شقيقة لمعتقل في سجون النظام السابق التي تابعت العرض، لم تستطع حبس دموعها طيلة مدة الفيلم. قالت لـ«سوريا 24»: «كنت أتساءل خلال كل مشهد: هل مات أخي جوعًا؟ هل استُسلم للتعذيب؟ هل قضى وهو ينتظر بصيص نور؟» وتابعت: «أعظم عبارة في الفيلم كانت لمعتقل سابق قال: بدي حقي كسجين، فقط، لا أكثر. هذا الفيلم يروي وجع آلاف المعتقلين الذين لم يُسمح لهم حتى بأن يُدفنوا بكرامة».

وثيقة للمحاسبة… لا فقط للتاريخ

المخرج عبدو مدخنة يرى أن صيدنايا لم يكن حالة استثنائية، بل نموذجًا يعكس سياسة ممنهجة اتّبعها النظام لعقود. يؤكد لمنصة سوريا 24 أن الفيلم لم يُنتَج بوصفه عملًا فنيًا فحسب، بل وثيقة قانونية قابلة للاستخدام أمام المحكمة الجنائية الدولية، لما يتضمنه من شهادات موثقة وأدلة حقيقية، مضيفًا: «حررنا السجن، لكن لم نحرر الحقيقة بعد. كثير مما قيل عن صيدنايا صحيح، وبعضه إشاعات، لكن واجبنا أن نستقصي ونوثق. هذا الفيلم هو صوت من لا صوت له».

العدالة تبدأ بالاعتراف

يعيد الفيلم تسليط الضوء على ملف المعتقلين بوصفه أحد الملفات الأعمق والأكثر إلحاحًا في سوريا ما بعد الحرب. فالعدالة لن تتحقق بدون اعتراف، والمصالحة لن تتمّ دون محاسبة. ويشدّد عدد من الحضور في ردهات دار الأوبرا، بعد انتهاء عرض الفيلم، أنّ ما شاهدوه ليس فيلمًا عن صيدنايا فقط… بل عن سوريا التي اعتُقلت بكاملها، وحان لها أن تتحرر.

مشاركة المقال: