الأربعاء, 30 أبريل 2025 02:45 PM

خطوات نحو قانون جديد: هل يتحرر العمل المدني في سوريا؟

خطوات نحو قانون جديد: هل يتحرر العمل المدني في سوريا؟

ورشة عمل في وزارة الشؤون الاجتماعية تهدف لتطوير قانون المنظمات غير الحكومية

عقدت وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل ورشة حوارية هي الأولى من نوعها ضمن سلسلة من الورشات التي ستعقد لاحقاً، بهدف تطوير قانون المنظمات غير الحكومية ودورها في التنمية والمجتمع.

وقالت وزيرة الشؤون الاجتماعية والعمل، “هند قبوات”، في تصريح بثته صفحة الوزارة الرسمية على الفيسبوك، إن النقاشات ممتدة ومفتوحة حتى يتم تنظيم العمل المدني القادر على مساعدة سوريا، مشيرة إلى أن النتيجة النهائية ستكون شراكة كاملة بين المنظمات والدولة.

وحصل سناك سوري على نسخة من ورقة العمل التي تمت مناقشتها بخصوص تطوير قانون المنظمات غير الحكومية، والتي ذكرت أنه يجب التركيز على مبدأين أساسيين، هما حرية تكوين الجمعيات، واللجوء إلى القضاء المستقل.

حرية تكوين المجتمعات

وبحسب ما جاء في الورقة يجب أن يكون الحق في تكوين منظمات غير حكومية مكفولاً للجميع، لأغراض مشروعة ومفيدة لمجتمعاتهم. ويشمل هذا الحق عدة شروط مثل التزام المنظمات بالقوانين العامة للدولة، وعدم استخدامها لأغراض مشبوهة مثل العمل الإجرامي أو التهرب الضريبي أو غير ذلك، على أن يكون القضاء هو الجهة الفاصلة في تحديد المخالفات.

كذلك عدم استخدام المنظمات المدنية كوسيلة للوصول إلى السلطة أو التغيير غير المشروع للنظام السياسي، وضمان الشفافية المالية.

اللجوء إلى القضاء المستقل

تُعتبر الأنظمة الداخلية للمنظمات المدنية بمثابة عقود مدنية بين أعضائها، ويجب أن يكون دور السلطات مقتصراً على إحالة المخالفين إلى القضاء المستقل في حال وقوع مخالفات، وفق ما جاء في الورقة.

مفهوم النفع العام

كما شددت الورقة على أهمية أن تقدم المنظمات النفع العام عبر تعزيز الثقة المجتمعية، التخفيف من أعباء الدولة في تقديم الخدمات، ودعم مبادئ الحرية والعدالة والكرامة.

كذلك في تشجيع ثقافة التكافل الاجتماعي، وقيم التعاون والتسامح والتضامن والتطوع، والمبادرات الذاتية، والحوار كوسيلة لحل الخلافات، إضافة إلى تحقيق التوازن بين المصلحة العامة والمصلحة الخاصة، وترسيخ القيم والأخلاقيات الاجتماعية.

ويتمثل النفع العام أيضاً في توفير خدمة اجتماعية مباشرة أو غير مباشرة تتيح للأفراد الحصول على مساحة لتحسين أوضاعهم الاجتماعية بشكل تطوعي، ويعبر ذلك عن اعتراف ضريبي أو اعتباري للجهود المدنية التطوعية.

مجالات عمل المنظمات غير الحكومية

وجاء في الورقة البحثية أنه يمكن للمنظمات غير الحكومية أن تقدم النفع العام في أوسع المجالات الممكنة وفقاً للأولويات، وتلعب أدواراً مثل التكامل مع خدمات الدولة، أو الاستشارة والنقد والمناصرة، أو تقديم الخدمات بشكل مستقل.

وتشمل مجالات النفع العام على سبيل المثال لا الحصر أموراً مثل التخفيف من الفقر والجوع، وحماية ورعاية حقوق الأطفال وكبار السن وذوي الاحتياجات الخاصة وضحايا الحروب والنساء، كذلك التعليم والخدمات الصحية إضافة إلى حماية حقوق الإنسان وكرامة الإنسان للجميع.

ولا تمنع الدولة المنظمات من العمل في مجالات النفع العام الأخرى المباشرة للمجتمع، طالما لم تتعارض مع المبادئ الأساسية المذكورة أعلاه، وخاصة حرية تكوين الجمعيات وتقديم النفع العام.

تصنيف منظمات المجتمع المدني من حيث المسؤولية الحكومية

وتحدثت الورقة عن تصنيف منظمات المجتمع المدني من حيث المسؤولية الحكومية، وقسمتها إلى 4 أنواع:

الجمعية

وهي منظمة غير حكومية يتم تأسيسها من قبل عدد من الأشخاص الذين يشكلون هيئة عامة، يتم اختيار هيئة إدارية مناسبة منهم، وتكون المسؤولية القانونية مرتبطة بالهيئة العامة، يتم تحديد عدد الأعضاء في مجلس الإدارة حسب القوانين المحلية (عادة من 2 إلى 15 عضواً)، وتعتبر الجمعية الشكل الأمثل لضمان عدم تركيز السلطة، مع الالتزام بنظام داخلي وإجراءات شفافة.

المؤسسة

وهي منظمة تنشأ بناء على تبرع أو تمويل أساسي من شخص أو أكثر، وتحدد وجهة هذا التمويل بنظام تأسيسي واضح، وتدار عادة عبر مجلس أمناء يمثل المانحين، مع التزام بالحوكمة الرشيدة والشفافية في استخدام الموارد. قد تكون المؤسسة مسؤولة مباشرة عن مواردها دون أن تعتبر أموالها أموالاً عامة بالمعنى الضيق.

النادي

وهو منظمة تضم أشخاصاً يجتمعون لغرض اجتماعي أو ثقافي محدد (غالباً غير ربحي)، وتعتبر المسؤولية القانونية فيها شبيهة بالشركة المساهمة المحدودة، خاصة إذا تم تنظيم كيفية توزيع أموالها وأرباحها إن وجدت، بما يضمن عدم استخدامها لأغراض تجارية بحتة.

التعاونية أو الاتحاد

وهي عبارة عن منظمات تقوم على مبدأ التعاون أو التضامن بين أفراد أو كيانات مستقلة، بغرض تحقيق مصلحة عامة محدودة، ويمكن أن تتبع نماذج الجمعيات أو الأندية حسب الحاجة، ويجب التأكد من عدم استخدامها لأغراض تجارية صرفة لتجنب التهرب الضريبي أو استغلال الامتيازات الحكومية.

مسؤولية الإشراف على منظمات المجتمع المدني غير الحكومية

بحسب الورقة فإن دور الدولة في الرقابة على منظمات المجتمع المدني غير الحكومية يشبه في كثير من الأمور دورها في الإشراف على الشركات التجارية من عدة نواحٍ، مثل:

عدم إساءة استخدام الشخصية الاعتبارية

يجب التأكد من أن المنظمة التي تحمل الشخصية الاعتبارية لا تستخدمها لأغراض غير قانونية أو إجرامية أو تسيء للمصلحة العامة، ولهذا الغرض، تطلب جهة الإشراف تسجيل المنظمات وفقاً لإجراءات شفافة تكفل حق الجميع في حرية التكوين وعدم تدخل الدولة في حق تأسيس المنظمات.

عدم إساءة استخدام الأموال المخصصة للنفع العام

بما أن المنظمات تحصل على امتيازات أو تسهيلات مقابل تقديم النفع العام، فإنه يجب على الدولة التأكد من أن الأموال المخصصة للنفع العام تستخدم لهذا الغرض سواء كلياً أو جزئياً. ولهذا الغرض، تشترط جهة الإشراف رقابة مالية دورية دقيقة على المنظمات.

تحقيق النفع العام

مجرد تبعية المنظمات غير الحكومية للمتطلبات المحاسبية لا يضمن بالضرورة تحقيق النفع العام. لذلك، تطورت مفاهيم عالمية تلزم المنظمات بقياس أثرها ومدى تحقيقها للنفع العام عبر آليات اعتماد طوعية.

نظام الاعتماد الطوعي

من الأفضل أن تتفاوض الدولة مع المنظمات لإيجاد نظام اعتماد طوعي يكون هدفه تحسين أداء المنظمات داخلياً وليس مجرد فرض طبقة بيروقراطية جديدة عبر إجراءات التسجيل.

الإشراف القطاعي المناسب

يجب أن تشارك الجهات ذات الاختصاص في الإشراف على عمل المنظمات في مجالاتها، مثل إشراف وزارة الصحة على المنظمات الصحية، أو إشراف وزارة المالية على الشفافية المالية، وفق معايير مهنية واضحة وليس تدخلات تعسفية.

تنظيم توزيع الموارد

عندما تقوم الوزارات المختلفة بفرض الموافقة على تسجيل المنظمات أو تقييد عملها بناء على وجود أو غياب “الجدوى”، فإن ذلك يؤدي إلى تدخلات غير قانونية تعيق العمل المدني. من الأفضل أن يتم إصدار أدلة ومعايير واضحة لتحديد الاحتياجات المجتمعية وتوجيه المنظمات إليها من خلال الحوافز وليس عبر المنع.

هل ستترجم تلك المبادئ؟

ورغم الطابع الإيجابي الذي تحمله مبادئ الوثيقة الجديدة، تطرح النقاشات الجارية تساؤلات نقدية مشروعة، مثل هل سيتمكن صانعو القرار من ترجمة هذه المبادئ إلى قانون عصري فعلاً يفتح المجال أمام حرية العمل المدني؟ أم أن هناك مخاوف من إعادة إنتاج آليات رقابة أو تقييد جديدة تحت غطاء “تنظيم” عمل المنظمات؟

يذكر أن أهمية هذا النقاش تأتي في ظل الحاجة الملحة لدور حقيقي وفاعل للمجتمع المدني في مرحلة إعادة الإعمار وبناء مؤسسات ديمقراطية حديثة، إذ أن وجود مجتمع مدني حر ومستقل يمثل ركناً أساسياً في إعادة بناء الثقة بين المواطنين والدولة، وفي دعم سيادة القانون والشفافية والحكم الرشيد، علماً أن العمل المدني كان ممنوعاً تقريباً بظل النظام السابق.

مشاركة المقال: