الإثنين, 5 مايو 2025 02:48 AM

الاقتصاد السوري يئن: أزمات متلاحقة تضعف الصناعة المحلية وتفاقم التحديات

الاقتصاد السوري يئن: أزمات متلاحقة تضعف الصناعة المحلية وتفاقم التحديات

عنب بلدي – أمير حقوق

أدت الأزمات الاقتصادية المتتالية والقرارات الخاطئة خلال عهد النظام السابق إلى إغلاق عدد كبير من المصانع، بالتزامن مع تدمير عدد منها نتيجة القصف والمعارك، وبالتالي تراجعت القدرة الصناعية في سوريا وتدهورت. وطالبت الأوساط الاقتصادية بشكل عام، والصناعية بشكل خاص، بدعم الصناعة المحلية والعمل على إنعاشها، باعتبارها أحد الأعمدة الأساسية المتعلقة بتحسين الاقتصاد الوطني وإنعاشه، وضعف إنتاجها يعطل حركة تعافي الاقتصاد.

لكن الحال اليوم يشهد ضعفًا بدوران عجلة الإنتاج، خاصة مع توقف عدد من المنشآت الصناعية عن العمل منذ سقوط النظام، بسبب عوائق تواجه الصناعيين.

وزارة الصناعة “مغيّبة”

الصناعي عبد الرحمن الشنور، قال لعنب بلدي، إنه أوقف العمل بمصنعه المخصص للمواد التنظيفية بدرعا، بسبب غزو البضائع التركية الأسواق بأسعار منخفضة مقارنة بالبضائع المحلية. وبحسب الصناعي، فإن تكلفة البضائع المحلية دون الربح أعلى من سعر البضائع الأجنبية بالأسواق، وبالتالي خسرت البضائع المحلية الأسواق، وهذا نتجت عنه خسائر باهظة للصناعيين.

وطالب بفتح المعارض والأسواق المحلية والخارجية للبضائع الوطنية، ودعمها عبر القوانين والقرارات وتقديم التسهيلات، وسماع هموم الصناعيين، فوزارة الصناعة لم تتواصل معهم، ولم تسمع إلى مطالبهم وشكواهم.

أما الصناعي سامح السعيد فاضطر لإغلاق مصنعه المخصص للألبسة بحلب، لعوامل كثيرة، أهمها غزو الألبسة التركية باختلاف جودتها، ورفع تكاليف الطاقة وأهمها الكهرباء، والسياسات الضريبية وتذبذب سعر صرف الدولار، وغياب الدعم الحكومي للصناعة الوطنية.

وتابع الصناعي، خلال حديثه إلى عنب بلدي، أن السياسات الاقتصادية المتبعة بعد سقوط النظام زادت التحديات أمام الصناعة الوطنية، كاتباع اقتصاد السوق الحر دون ضوابط وعدم وضع نظام جمركي على البضائع الأجنبية ينصف الصناعة الوطنية.

رئيس لجنة “العرقوب” الصناعية، ونائب رئيس لجنة القطاع الهندسي بغرفة صناعة حلب، تيسير دركلت، قال لعنب بلدي، إن توقف المنشآت الصناعية يعود لأسباب كثيرة، منها سنوات الحرب التي أرهقت الصناعيين، والنظام الضريبي المتبع، وأيضًا ارتفاع أسعار الكهرباء والتأخر بإصدار التسعيرة الجديدة والتي كانت غير ملبية للطموح.

واعتبر أن غزو المنتجات الأجنبية أثر بشكل مضاعف على الصناعة السورية، باعتبارها منهكة، وفي حالة غير قادرة على المنافسة أو الدخول باقتصاد السوق الحر، وكان يشترط مراعاة الصناعة المحلية.

تعرفة جمركية تدعم الصناعة

يمثل دعم الصناعة المحلية خطوة استراتيجية نحو تحقيق التنمية الشاملة والمستدامة، وضرورة لضمان قدرة الاقتصاد الوطني على التعافي والنمو.

وأفاد مدير دائرة الإعلام في وزارة الاقتصاد والصناعة، حسن الأحمد، لعنب بلدي، أن الوزارة تعمل على تعزيز القطاع الصناعي، من خلال تحفيز الإنتاج المحلي ودعم الصناعات المحلية، ويتم ذلك من خلال تنفيذ سياسات وإجراءات تحفيزية تهدف إلى تنمية الصناعات.

وتركز الوزارة على تشجيع القطاع الخاص واستقطاب رؤوس الأموال، بحسب الأحمد، بالإضافة إلى تقديم تسهيلات ضريبية تعزز الإنتاج المحلي وتطوير الصناعات الاستراتيجية.

وقال مدير دائرة الإعلام، إن الوزارة تدرك التحديات التي يواجهها أصحاب الشركات نتيجة المنافسة مع المنتجات الأجنبية، لذا، تم مؤخرًا إصدار تعرفة جمركية تدعم الصناعة المحلية، وتجري دراسة معمقة لهذه التعرفة لتناسب احتياجات الصناعيين، كما تعمل الوزارة على متابعة ودراسة العقبات التي تعترض عودة المنشآت الاستراتيجية للعمل.

وتشمل خطة الوزارة تعزيز الصناعات المحلية وترسيخ ثقافة الإنتاج من خلال الاعتماد على الأيدي السورية الخبيرة في الداخل، وتشجيع عودة الكفاءات السورية، وتسعى لابتكار التكنولوجيات الحديثة، بحسب الأحمد.

وأوضح أن الوزارة ملتزمة بتعزيز الإنتاج المحلي ودعم القطاع الصناعي لضمان التنمية المستدامة، وتهيئة بيئة تنافسية تسهم في تحسين الوضع الاقتصادي للبلاد.

وزارة الاقتصاد والصناعة أعلنت عبر حسابها في “تلجرام“، في 21 من نيسان الماضي، عن منحها تراخيص صناعية لـ345 ‏منشأة في مختلف القطاعات، خلال الربع الأول من العام الحالي، ‏توفر حين تشغيلها 4242 فرصة عمل.

غياب تعليمات التخليص

يرى الباحث الاقتصادي، محمد السلوم، أن توقف المنشآت نتيجة تراكمات ممتدة لسنوات، تفاقمت بفعل العقوبات، وغياب السياسات الداعمة، والتشريعات المتأخرة، إضافة إلى فقدان الكفاءات البشرية وغياب التمويل الكافي.

وأشار السلوم، في حديث إلى عنب بلدي، إلى أن تأخر التعليمات التنفيذية لكثير من القرارات الاقتصادية، أدى إلى تعطيل الاستفادة منها، كقرار إعفاء الآلات وخطوط الإنتاج من الرسوم الجمركية، والذي بقي دون تنفيذ فعلي بسبب غياب تعليمات التخليص من المالية.

ولفت إلى غياب التسهيلات المالية الضرورية، خاصة في الصناعات الدوائية والكيماوية، وسط عجز البنوك المحلية عن تمويل المشاريع الإنتاجية، بسبب العزلة المالية وخروج سوريا من نظام “سويفت“.

أما عن تأثير المنتجات الأجنبية، فأكد السلوم أن التشوهات الجمركية تلعب دورًا سلبيًا، حيث تُفرض رسوم على المواد الأولية بنسبة تفوق رسوم المنتجات المستوردة، ما أضعف قدرة المنتج المحلي على المنافسة، في ظل غياب حماية عادلة له.

ولم يغفل السلوم تأثير العقوبات، التي عطّلت استيراد المواد الأولية والتجهيزات والوقود، إضافة إلى صعوبة إجراء الحوالات المالية، مما عقّد التجارة الخارجية، وفاقم تكلفة التشغيل.

بطء التطبيق

يعتبر تحديد وتحليل المعوقات جزءًا من أي استراتيجية تنموية شاملة تهدف إلى تعزيز القطاع الصناعي، وأيضًا يمكّن صناع القرار والمستثمرين من اتخاذ خطوات عملية لمعالجتها وتحسين الأداء.

وبما أن توصيف الحلول الاستثمارية والاقتصادية المتاحة للصناعة السورية جزء محوري من أي استراتيجية تطوير وطني، فالمطلوب من الجهات المعنية، برأي رئيس لجنة “العرقوب” الصناعية، ونائب رئيس لجنة القطاع الهندسي بغرفة صناعة حلب، تيسير دركلت: تقييم الواقع الصناعي بسوريا بشكل صادق وواضح.

تحديد مراكز الخلل والخطأ، ودراسة أماكن التحسين لاتخاذ القرارات المناسبة والتي تصب بمصلحة الصناعة والصناعيين.

ويعتقد أن تطبيق هذه الإجراءات بطيء اليوم، وهذا البطء مؤذٍ للغاية، والصناعيون يفكرون بالانتقال إلى التجارة والابتعاد عن الصناعة، وهذا يعني استيرادًا جديدًا، أي استنزافًا ماليًا جديدًا، ومنافسة غير عادلة للبضائع الوطنية.

إصلاح النظام الجمركي

أما الباحث الاقتصادي محمد السلوم، فاقترح مجموعة حلول إسعافية للقطاع الصناعي، منها:

  • إصلاح النظام الجمركي بما يضمن حماية الإنتاج المحلي دون الانغلاق على السوق العالمية.
  • توفير تمويل تشغيلي واستثماري حقيقي من خلال تأسيس مصارف إنتاجية، أو صناديق تمويل مشترك.
  • استعادة الثقة مع الشركاء الدوليين عبر إبرام اتفاقيات شراكة اقتصادية مع دول محايدة أو صديقة.
  • إعادة سوريا إلى نظام “سويفت” وتفعيل قنوات الدفع الدولية، كضرورة قصوى لتحرير العملية الإنتاجية.
  • إحداث مرصد صناعي يرصد احتياجات السوق والفرص التصديرية، ويضع خططًا واضحة للكوادر والعمالة الفنية.
  • ضمان الشفافية والتنافسية، ومنع الاحتكار، وتحقيق الشراكة بين القطاعين العام والخاص على أساس المصلحة العامة لا المصالح الشخصية.
مشاركة المقال: