عنب بلدي – لمى دياب
تمثل الموانئ في سوريا نافذة استراتيجية على شرق المتوسط، وموقعها الذي يربط آسيا بأوروبا وإفريقيا يجعلها محط أنظار المستثمرين، وسط مساعٍ دولية جادة لاستثمارها.
أكد وزير النقل السوري، يعرب سليمان بدر، خلال اجتماع مع رئيس مجلس العلاقات الاقتصادية الخارجية التركي، نائل أولباق، رغبة الحكومة السورية في التعاون مع المستثمرين لتشغيل بعض الموانئ والمنشآت.
من جانبه، صرح أولباق بأن استثمار الموانئ يمثل فرصة واعدة يمكن استغلالها سريعًا، كونها تركز على استثمار منشآت قائمة بالفعل ولكنها غير مستغلة بكفاءة.
تلعب الموانئ دورًا حيويًا في اقتصاد الدول، حيث تسهل حركة 90% من البضائع عالميًا، مما يجعلها حجر الزاوية لجذب الاستثمارات.
استثمار الموانئ: فرص وتحديات
أوضح مدير العلاقات المحلية والدولية في الهيئة العامة للمنافذ البرية والبحرية في سوريا، مازن علوش، أن سوريا تمتلك عدة موانئ بحرية رئيسية، أبرزها مرفأ طرطوس واللاذقية وبانياس، بالإضافة إلى مرافق أخرى قيد التأهيل والتطوير.
تعمل جميع هذه الموانئ حاليًا بنظام التشغيل المباشر من إدارة تابعة للهيئة العامة للمنافذ البرية والبحرية، بينما تم تجديد عقد استثمار محطة الحاويات في مرفأ اللاذقية لشركة فرنسية متخصصة.
أشار علوش إلى أن آلية استثمار الموانئ ستعتمد على العروض التنافسية، سواء عبر الإعلان المباشر أو التفاوض مع شركات مؤهلة، مع السماح لأي دولة أو شركة ملتزمة بالقوانين والشروط المحددة بالتقدم بطلب الاستثمار، بما يتوافق مع متطلبات الأمن القومي والمصلحة العامة.
شروط الاستثمار والقيمة المتوقعة
حدد علوش شروط الاستثمار، والتي تشمل:
- التمتع بالملاءة المالية.
- الخبرة الفنية في تشغيل وإدارة الموانئ.
- تقديم خطة تطوير واضحة للمرافق.
- الالتزام بالأنظمة البيئية والمعايير الدولية.
- احترام السيادة الوطنية وعدم مخالفة القوانين المعمول بها.
تختلف قيمة الاستثمارات المتوقعة حسب طبيعة المشروع، حيث تتراوح بين عشرات الملايين ومئات الملايين من الدولارات، بناءً على حجم المشروع والمرفق المعني ومتطلبات التوسع أو التطوير.
تتضمن التحديات الحاجة إلى تحديث البنية التحتية، والتعامل مع التغيرات الاقتصادية الإقليمية والدولية، وإعادة تأهيل بعض الأرصفة والأحواض، بالإضافة إلى التحديات اللوجستية المرتبطة بشبكات النقل المتصلة بالموانئ.
يسهم الاستثمار في تحديث وتوسعة الموانئ في رفع كفاءتها التشغيلية وزيادة قدرتها على استقبال البضائع والمسافرين، مما يعزز ربط البلاد بالأسواق الإقليمية والعالمية ويدعم حركة التبادل التجاري وزيادة الصادرات والواردات.
تشمل النماذج الناجحة نظام الشراكة بين القطاعين العام والخاص (PPP)، ونماذج الامتيازات طويلة الأجل وعقود الإدارة والتشغيل مع الالتزام بالتطوير.
الرسوم الجمركية وتأثيرها
أكد علوش أن تقييم العائد من الاستثمار يتم بناءً على معايير دقيقة تشمل حركة الشحن والمناولة، والعائدات المالية المباشرة وغير المباشرة، وتأثير الاستثمار على التنمية الاقتصادية المحلية، وتحقيق أهداف استراتيجية مثل تنشيط الترانزيت ودعم التجارة الخارجية.
أشار إلى أن الرسوم الجمركية والسياسات الضريبية تؤثر بشكل مباشر على جاذبية الاستثمار، وتسعى الهيئة إلى اعتماد سياسة جمركية وضريبية مشجعة تتسم بالوضوح والثبات وتقدم حوافز حقيقية للمستثمرين في قطاع النقل البحري واللوجستي.
تعمل الدولة على تطوير الأرصفة وتعميق الأحواض المائية وتحديث المعدات، بالإضافة إلى التوسع في المرافق اللوجستية المرتبطة بالموانئ، بما يتماشى مع المعايير الدولية لاستقبال السفن العملاقة والناقلات الحديثة، مما يعزز موقع الموانئ السورية كمحطات محورية في التجارة الإقليمية والدولية.
تلتزم الهيئة بتوفير بيئة استثمارية محفزة وآمنة، وتتطلع إلى عقد شراكات استراتيجية ناجحة تسهم في النهوض بقطاع النقل البحري ودعم الاقتصاد الوطني.
فوائد متوقعة من الاستثمار
أوضح مدير عام الموانئ في سوريا، عدنان حاج عمر، أن التجارب الدولية تُظهر أن إشراك القطاع الخاص في تشغيل الموانئ والمرافق العامة يحقق فوائد اقتصادية هائلة، خاصة في الدول التي تسعى لإعادة بناء بنيتها التحتية وتعزيز تنافسيتها الإقليمية. ومن أهم الفوائد الاقتصادية المباشرة والمتوقعة:
- استثمارات مباشرة ضخمة تُضخ في البنية التحتية، تُسهم في تطوير المرافق البحرية بشكل سريع ومنهجي.
- نقل التكنولوجيا والخبرة: تُدخل الشركات الخاصة تقنيات حديثة وأساليب تشغيل متقدمة وكفاءات بشرية مدرّبة ترفع كفاءة الأداء منذ اليوم الأول.
- تحسين الكفاءة التشغيلية وتقليل التكاليف.
- تحسين عمليات الشحن والتفريغ وتقليل زمن الانتظار.
- زيادة الإيرادات الحكومية من خلال عقود الشراكة.
- تحفيز الاقتصاد المحلي وتوفير فرص عمل جديدة.
- تعزيز التنافسية الإقليمية وجذب المزيد من الخطوط الملاحية.
- دعم سلاسل التوريد والتصدير والاستيراد وتنشيط القطاعات الصناعية والزراعية والخدمية المرتبطة.
تعتمد مشاريع تشغيل الموانئ عبر الشراكة مع شركات متخصصة على دراسات جدوى شاملة، تعدّها فرق وطنية بالتعاون مع خبراء ماليين وفنيين، وتستند إلى تحليلات دقيقة للعوائد الاقتصادية المتوقعة، المباشرة وغير المباشرة.
فرنسا في اللاذقية.. وطرطوس تنتظر
وقعت الهيئة العامة للمنافذ اتفاقية مع شركة “CMA CGM” الفرنسية في قصر الشعب بدمشق، في 1 من أيار، بحضور الرئيس السوري في المرحلة الانتقالية، أحمد الشرع.
أوضح مدير مرفأ “اللاذقية”، أحمد علي مصطفى، أنه تم إيقاف العقد السابق بين الشركة الفرنسية والنظام السابق، وبدأت الحكومة السورية ترتيب عقد جديد بتفاصيل جديدة.
تتضمن الاتفاقية الجديدة تحديد مدة العقد بـ30 سنة، تستثمر خلالها الشركة 230 مليون يورو، مع ضخ 30 مليون يورو في السنة الأولى.
في السنوات الأربع التالية، سيتم بناء رصيف جديد في مرفأ اللاذقية بمواصفات قياسية عالمية، بطول 1.5 كيلومتر وبعمق 17 مترًا، بقيمة استثمارية تصل إلى 200 مليون يورو.
سيسمح هذا الرصيف بدخول سفن شحن كبيرة وبأعداد كبيرة لا تدخل حاليًا إلى مرفأ اللاذقية، وسيوفر بنية تحتية وفوقية لتشغيله.
بعد السنة الخامسة، ستبدأ ثمرة هذا الاستثمار في الظهور خلال الـ25 سنة المقبلة.
فسخ استثمار مرفأ طرطوس
أعلن مدير الجمارك في محافظة طرطوس، رياض جودي، عن إلغاء الاتفاقية الموقعة مع الشركة الروسية لتشغيل واستثمار مرفأ طرطوس الاستراتيجي.
ستذهب جميع إيرادات المرفأ الآن لمصلحة الدولة السورية، وستتم إعادة العاملين إلى ملاكهم في المرفأ، وإعادة تأهيل آليات المرفأ المترهلة.
كان نظام الأسد السابق وشركة الهندسة الروسية “ستروي ترانس غاز” قد وقعا في عام 2019 عقدًا لإدارة ميناء طرطوس لمدة 49 عامًا.
بموجب العقد، ستحصل الشركة الروسية على 65% من أرباح الميناء، بينما تذهب النسبة المتبقية البالغة 35% إلى الدولة السورية.
تشير مصادر إلى وجود اتفاقيات مع شركات كبرى ذات اسم عالمي في مجال إدارة المرافئ والموانئ حول العالم، تعمل على الاستثمار في مرفأ طرطوس، وسيتم الإعلان عنها قريبًا.