الأربعاء, 30 أبريل 2025 04:56 PM

أزمة صحية خانقة في دمشق: مرضى يدفعون الثمن، وأدوية مفقودة، ومشافي حكومية تئن تحت وطأة العقوبات

أزمة صحية خانقة في دمشق: مرضى يدفعون الثمن، وأدوية مفقودة، ومشافي حكومية تئن تحت وطأة العقوبات

نورمان العباس – دمشق

يواجه سكان من مختلف المحافظات السورية القادمين إلى المشافي الحكومية في دمشق بحثاً عن علاج بأسعار معقولة، واقعاً مريراً يتمثل في نظام صحي يعاني من نقص حاد في الأدوية والمعدات الطبية، بالإضافة إلى خدمات طبية يتحمل المرضى تكاليفها بشكل مباشر.

نقص حاد في الخدمات والأدوية

يروي فواز خضير، القادم من الحسكة، معاناته في مشافي دمشق قائلاً: "لا يوجد علاج ولا أدوية، حتى الإبرة نشتريها من الخارج، المشفى لا يملك سوى الأطباء والممرضات"، منتقداً سوء معاملة الكادر التمريضي. ويضيف: "التنظير الطبي كلفني 8.5 مليون ليرة، وسعر الإبرة يتجاوز أحياناً 400 ألف ليرة"، مطالباً وزارة الصحة بتحسين أوضاع المشافي وتأمين الخدمات الطبية.

ويشارك علي براك، القادم من الرقة، نفس الهم، قائلاً: "اخترنا مشافي الدولة لأنها الأقل تكلفة، لكنهم يطلبون الآن إجراء التحاليل خارجها، وأقل تحليل يكلف 100 ألف ليرة، وبعض الصور الطبية بـ 4 ملايين". ويضيف أن "كشفية الطبيب تصل إلى 300 ألف، والأدوية أسعارها فاحشة"، مطالباً الحكومة الجديدة بمراعاة ظروف المرضى الذين يعجزون عن تحمل تكاليف القطاع الخاص.

أما خضر عدنان الخلف، القادم من دير الزور، فيشيد بالعناية الطبية في مشفى الأطفال بدمشق، رغم غياب الدعم الدوائي، قائلاً: "حتى السيروم والبلاستر نشتريهما من الخارج"، داعياً وزارة الصحة لتوفير الحد الأدنى من الأدوية.

ويختصر عصري شيخو من حماة الأزمة بعبارة: "كل شيء من الخارج، حتى التحاليل تكلف 3.5 مليون"، مطالباً وزارة الصحة بالنظر إلى معاناة الشعب القادم من محافظات أخرى.

العقوبات وتدهور القطاع الصحي

يشير الدكتور عثمان حمدان، المدير الطبي ومعاون مدير مشفى الأطفال في دمشق، إلى أن "غالبية المؤسسات الصحية الحكومية تمر بمرحلة تدهور واقتراب من انتهاء صلاحيتها، في ظل غياب قطع التبديل اللازمة، رغم أن الأجهزة الطبية المستخدمة قديمة ويُفترض استبدالها بأخرى حديثة".

ويقول "حمدان" إن عملية استيراد الأجهزة الطبية تتطلب أولاً رفع العقوبات المفروضة، بالإضافة إلى ضرورة توفير تمويل كافٍ لذلك، مشيراً إلى وجود صعوبات كبيرة في تأمين الأدوية المستوردة، وحتى تلك المنتجة محلياً.

ويعزو معاون مدير مشفى الأطفال بدمشق تراجع الإنتاج المحلي من الأدوية إلى الأضرار التي لحقت بعدد كبير من معامل الأدوية، بالإضافة إلى التأثيرات السلبية على الوضع المالي للمؤسسات الصحية نتيجة نقص التمويل. ويشير إلى أن غالبية المواطنين أصبحوا تحت خط الفقر، وغير قادرين على تحمل تكاليف العلاج وشراء الأدوية، مبيناً أن مشفى الأطفال يعاني من نقص حاد في أبسط المواد الأساسية، حيث لا يوجد كحول طبي، وحتى المحاقن (السيرنغات) يُطلب من ذوي المرضى تأمينها بأنفسهم.

وفيما يخص الأدوية السرطانية، يبيّن الدكتور "حمدان" أن المؤسسات الحكومية قادرة فقط على تأمين ما بين 10 إلى 20 بالمائة فقط منها.

توقف معامل الأدوية

يقول مدير التخطيط والتعاون الدولي في وزارة الصحة زهير قراط، إن العقوبات المفروضة على سوريا أثرت على القطاع الطبي بشكل شامل، وتسببت بتوقف عشرات المعامل الدوائية، مشيراً إلى أنها لم تخلق صعوبات في تأمين الأدوية فحسب، بل شملت استيراد الأجهزة الطبية المتطورة مثل الطبقي المحوري والرنين المغناطيسي".

ويضيف أن هناك "صعوبات باستيراد الأدوية التي نحتاجها من دول متطورة خاصة أدوية السرطان بسبب حصر الاستيراد بدولة أو دولتين لا تُنتج أدوية ذات كفاءة عالية".

ويشير "قراط" إلى أن رفع جزء من العقوبات عن بعض المنشآت الطبية لم يترجم عملياً، وأعطى مثالاً عن مشفى الأطفال بدمشق حيث مُنع تحويل الأموال لشراء جهاز طبقي محوري مُتفق عليه مسبقًا بسبب عقوبات مفروضة بشكل مباشر على المشفى.

ويكشف قراط عن نقص الأدوية في المشافي السورية كما لوحظ خلال زيارات ميدانية لمشافي درعا وحمص وحماة مُرجعاً الأسباب إلى عوامل عدة ليس فقط بسبب العقوبات، منها توقف أكثر من 30 معمل دوائي محلي عن العمل، بالإضافة إلى ضعف المنح والمساعدات الإنسانية الطبية، خاصة بعد قرار ترامب بوقف الدعم الأميركي.

أما الأدوية المستوردة، فهي الأخرى تتسبب بمشاكل تتعلق بعدم توفر التمويل الكافي، وعدم القدرة على الاستيراد، فضلاً عن القيود المفروضة على البنك المركزي.

وتدرس وزارة الصحة إجراءات مؤقتة لتعويض النقص، مثل تعزيز الإنتاج المحلي لكنه لن يغطي أكثر من 20-30% من الاحتياجات، والتعاون مع شركاء دوليين لتأمين الأدوية والمعدات، بحسب "قراط".

تحرير: خلف معو

مشاركة المقال: