الأربعاء, 3 ديسمبر 2025 01:44 AM

عام على الدبلوماسية السورية الجديدة: كيف أعادت دمشق صياغة سياستها الخارجية؟

عام على الدبلوماسية السورية الجديدة: كيف أعادت دمشق صياغة سياستها الخارجية؟

بعد مرور عام على التحرير من نظام بشار الأسد، تتضح ملامح السياسة الخارجية السورية الجديدة، حيث عملت الإدارة الجديدة على بناء علاقات إقليمية ودولية تقوم على الاحترام المتبادل والمصالح المشتركة، وتبني سياسة متوازنة مع مختلف القوى، بعيداً عن التحالفات، لضمان استقلالية القرار الوطني.

بعد سنوات من التوتر والعزلة، حمل العام الأول للإدارة السورية الجديدة تحولات ملحوظة في الخطاب السياسي والتحركات الدبلوماسية. ورغم التحديات التي ورثتها الدولة، تشير المؤشرات إلى تحول نحو دبلوماسية انفتاح متزن.

يقول الباحث في الشؤون السياسية والاقتصادية المهندس باسل كويفي لـ”الوطن”: ”في يوم التحرير 8 كانون الأول 2024، عاشت سورية لحظة تاريخية، بانتصار كرامة الإنسان السوري وانكسار الخوف الذي عاشه الشعب خلال حكم المخلوع ومنظومته الأمنية، ما فتح الأمل لبناء سورية الجديدة، الدولة المدنية الحرة والعادلة، التي تعيد صياغة العلاقة بين الدولة والمجتمع على أسس العدالة والشفافية والمشاركة، وفق المواطنة والمساواة وسيادة القانون والهوية الوطنية الجامعة، لتصبح سورية وطناً يتسع لجميع أبنائه ومكوناته”.

أدركت الإدارة الجديدة أهمية تطبيع العلاقات مع دول الجوار والعالم، وعملت على التأكيد، عبر رسائل سياسية وجولات دبلوماسية مكوكية، أن سورية لن تكون عامل توتر، بل تسعى إلى العيش في سلام ووفاق مع جوارها والعالم، عبر الالتزام بعلاقات متوازنة مع مختلف الأطراف.

أجرى وزير الخارجية أسعد الشيباني سلسلة زيارات إلى البلدان العربية، وخاصة الخليجية والمجاورة (السعودية، الإمارات، عمان، الكويت، لبنان، البحرين، العراق، مصر، الأردن، قطر)، وأجرى مباحثات حول مستقبل العلاقات العربية-السورية، وأهمية التعاون المشترك لاستقرار المنطقة وإعادة إعمار سوريا، استكمالاً لاستقباله وفوداً عربية وغربية في دمشق.

يوضح كويفي أن موقع سورية الجيوسياسي المهم، وبعد نهاية عهود الاستبداد، يتيح فرصة تاريخية لعودتها إلى محيطها الطبيعي كدولة لا تشكل تهديداً لجوارها، بل شريكاً إقليمياً ودولياً في معادلة الأمن والسلم الدولي وتعزيز الاستقرار والتنمية المستدامة.

ويشير إلى أن البلاد شهدت تطورات سياسية مهمة، حيث نجحت حكومة الرئيس الشرع في كسر العزلة مع دول العالم، خاصة الغرب، وتمكنت من بناء جسور تواصل مباشر بمساع حميدة من السعودية وتركيا ودول الخليج مع الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد الأوروبي وبريطانيا، ما ساهم في وقف العقوبات المفروضة على سورية بشكل كبير.

وعلى المستوى الدولي، عملت الدبلوماسية السورية الجديدة على تقريب وجهات النظر وتصدير صورة جديدة، ما أثمر عن تقارب سوري-أميركي، حيث أرسلت الولايات المتحدة وفودها الدبلوماسية إلى دمشق، وكذلك فعلت فرنسا وألمانيا وإيطاليا وإسبانيا وأوكرانيا، وأبدت دول الغرب استعدادها للتعاون، ما أدى إلى رفع أميركي جزئي ومؤقت للعقوبات الاقتصادية على سورية، ورفع اسم ”هيئة تحرير الشام” والرئيس أحمد الشرع ووزير الداخلية أنس خطاب من قائمة العقوبات في مجلس الأمن. وكان الحدث الأبرز مشاركة الرئيس الشرع في أعمال الجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك وفي مؤتمر قمة المناخ (COP30) في البرازيل، وزيارة واشنطن ولقاؤه الرئيس الأميركي دونالد ترامب في البيت الأبيض.

يقول الباحث كويفي إن الجهود الدبلوماسية الكبيرة التي قامت بها وزارة الخارجية ساهمت في كسر الجليد في العلاقات السياسية والدبلوماسية بين سورية ومعظم دول العالم، وتواصلت الزيارات المتبادلة بين مسؤولين ووزراء خارجية من الاتحاد الأوروبي والغرب وأمريكا إلى دمشق منذ التحرير، ومقابلة الرئيس أحمد الشرع والسيد أسعد الشيباني لعدة مرات، ما يعيد سوريا محوراً رئيسياً في استقرار المنطقة، كما أن الزيارات المتبادلة لم تقتصر على الغرب بل كانت هناك زيارات للدول العربية ودول الشرق وعلى الأخص الدول التي لها ثقل سياسي في مجلس الأمن الدولي (روسيا – الصين). وتوجت الزيارات بزيارة الرئيس الشرع إلى الولايات المتحدة ومحادثاته في البيت الأبيض مع الرئيس ترامب.

قد يرى البعض أن التحولات ليست جذرية أو سريعة، ولكن السياسة الخارجية السورية تحت الإدارة الجديدة بدت أكثر واقعية، وأكثر اتساقاً مع طبيعة التحديات الإقليمية والدولية، إنها دبلوماسية “استعادة الدور” ببطء، لكنها تمضي بثبات نحو إعادة تموضع سوريا في خريطة الشرق الأوسط.

يختم كويفي بالقول: بعد سنوات من النزاع والحرب والعزلة الدولية والحصار الاقتصادي، تسعى سوريا وحكومتها حالياً إلى تأمين تمويلات لإعادة الإعمار التي قدّر البنك الدولي كلفتها بأكثر من 216 مليار دولار، ولكن في الوقت ذاته، تواجه سوريا بعد عام من التغيير عدداً من التحديات فالسياق الإقليمي والدولي المعقد يبقي المشهد السوري حساساً للتأثيرات الخارجية محفوفاً بالمخاطر الامنية والجيوسياسية، كما أن الإرث التشريعي والإداري من المعوقات الكبيرة، إذا لم يتم تعديله وفق قوانين جديدة وعصرية.

مشاركة المقال: