الإثنين, 1 ديسمبر 2025 07:47 PM

عودة الصحافة الورقية: ذكريات الماضي وآمال المستقبل في سوريا

عودة الصحافة الورقية: ذكريات الماضي وآمال المستقبل في سوريا

دمشق: سليمان خليل - هل نتذكر أيام الصحافة الورقية؟ في زمن لم تسيطر فيه الشاشات على حياتنا، كانت الصحف نافذتنا الوحيدة على العالم، ورفيقنا الصباحي الذي يحمل الأخبار والقصص برائحة الحبر والورق.

مع ساعات الفجر الأولى، كانت الصحف تُطبع لتوقظ المجتمع على نبض الكلمة والعناوين التي تصنع رأيًا وحدثًا وتاريخًا. كان صوت المطبعة وصفّ الحروف المعدنية سيمفونية يومية تملأ أروقة التحرير بالحياة.

في المكتبات والبيوت والمكاتب، وفي حافلات النقل، كانت الصحيفة تُقرأ بتمعّن، تُطوى وتُمرّر من يدٍ إلى أخرى، تحمل معها حوارات وآراء وتغذّي العقول بالمعرفة. لم تكن مجرد وسيلة إعلام، بل كانت ذاكرة وطن وجيل يحفظ مواعيد إصدارها وأسماء وأقلام زواياها وأعمدتها.

جيل الثمانينات يتذكر الزمن الجميل، جيل لحقه المؤسسون من قرم الصحافة السورية (رحم الله من توفي منهم وأمدّ الله في أعمار الباقين). واليوم، مع عودة الإصدار الورقي لجريدة الثورة، نستذكر كيف كان السباق إلى الصحف يبدأ مع إشراقة الصباح الباكر. انتظار وصول باص القرية القادم من كراجات الانطلاق في مدينتي حمص حاملاً معه الجريدة من خلال بعض الموظفين. والانتظار الشغوف لعودة الوالد من العمل عند الثالثة ظهراً، لالتقاط الصحيفة التي كانت كنزاً للبحث عن المعرفة والاطلاع، والتنقيب في صفحاتها. كانت هناك طقوس في قراءة الجريدة، غالباً ما تبدأ من الصفحة الأخيرة، حيث رسوم الكاريكاتير، والأعمدة الختامية التي تحفل بأقلام الكبار، والأخبار الغريبة والعجيبة التي كانت تشعل الخيال.

في دمشق، كانت الصحافة أكثر حضوراً. البداية من تجمع كلية الآداب، حيث كنت أدرس في قسم الصحافة آنذاك. كانت الصحف تنشر وتعلق للبيع على سور الكلية، وفي الأكشاك المقابلة لها. ولا ينسى أحد صوت بائع الصحف في كلية الآداب وهو ينادي: (الثورة اليوم .. سيريا تايمز ..). كان يمر على مكاتب الأساتذة والدكاترة والطلاب، ويفتقد غيابه كأحد معالم الكلية، وكثيراً ما يردد بصوته عناوين الأخبار والأحداث المهمة.

عند أكشاك العاصمة، يتجمّع الناس أمام جدران الأكشاك التي كانت تكتسي بالصحف والمجلات المحلية والعربية والأجنبية، يقرأون العناوين والمانشيتات والكاريكاتيرات التي تتصدر الواجهات. الباعة يقفون حاملين بين أيديهم الصحف، يختار القادم ما يجذبه من العناوين، بينما يُجهّز البائع مسبقاً الصحيفة المعتادة لزبائنه الدائمين الذين يعرفهم بالوجه والاسم.

كانت تلك اللحظات خالدة في الذاكرة وتحولت إلى ذكرى نشتاق إليها بعد أن غابت أصوات الباعة وسكت حفيف الورق. واليوم، مع عودة الإصدار الورقي لجريدة الثورة السورية، نتمنى أن تعود للصحافة الورقية هيبتها وتربعها على عرش الصحافة، وهذا يستوجب القيمة والجودة الفنيّة والتحريرية لها، وأن تحفل بأقلام المبدعين الذين نشتاق لنفسهم الإعلامي، بالأسلوب الشامخ في ميادين الكتابة بأقلام من ذهب، بالمواضيع الشيقة، بالتحقيقات التي تهز ويسمع صداها، بالنتائج التي تحققها وتكون نافذةً للناس وصوتهم الحقيقي. عودة الإصدار الورقي الذي يخيف الفاسدين ويتعب المراوغين ويقض مضاجعهم الرخوة، فيحسب لها ألف حساب، تختفي النسخ وتنفذ الأعداد، وتزداد الطباعة والمتابعين.

مبارك لكلّ الإعلاميين السوريين هذه الخطوة وعسى أن تتكلل الجهود التي تعمل بكل إخلاص وشرف ومسؤولية بالتوفيق والنجاح. (أخبار سوريا الوطن-1)

مشاركة المقال: