الإثنين, 1 ديسمبر 2025 01:12 PM

زيارة البابا إلى لبنان: بين حفاوة الاستقبال وتحديات الواقع

زيارة البابا إلى لبنان: بين حفاوة الاستقبال وتحديات الواقع

بقلم: ابراهيم الأمين

اعتاد اللبنانيون التعبير عن محبتهم وسلامهم أمام ضيف كبير مثل البابا، حيث يتوحدون بأطيافهم الطائفية والمناطقية لاستقباله شعبيًا وسياسيًا ورسميًا. ومع ذلك، يظهر تراجع في مستوى البروتوكول، حتى في تبادل الهدايا والصور التذكارية، مما يعكس وضعًا لا يتماشى مع سمعة لبنان في حسن الضيافة والترتيب. ولا يقتصر الأمر على السياسيين، بل يمتد ليشمل فريقًا من الإعلاميين المتخصصين في تلميع الصورة وتقديم صورة غير واقعية.

الأهم من ذلك، أن هناك طبقة نافذة في مختلف المجالات، سياسيًا واقتصاديًا وتجاريًا وإعلاميًا وروحيًا ودينيًا، قادرة على تغيير مسار الاهتمام ولو لفترة قصيرة. فمن يتابع استقبال البابا ورحلته من المطار إلى القصر الجمهوري واللقاءات والكلمات، قد يظن أنه يعيش في بلد ينعم بالراحة واللطف، وأن الأوضاع جيدة، كما تعكس مظاهر الحاضرين والاحتفال. حتى المهمشون حصلوا على نصيبهم من الاحتفال، سواء في الاستقبال أو في القصر.

أما رجال الدين، الذين يسعون للاحتفاظ بالبابا لأنفسهم ولو لساعات قليلة، فيكثرون من الحديث عن التعاليم الدينية وقيم المسيح والكنيسة، وعن الالتزام بتعزيز عيش الناس وراحتهم. وتعرف الكنيسة كيف تختار الوجوه التي لا تعكر صفو المناسبة، بينما يتولى الإعلام تغييب أي صوت يحتاج إلى متنفس للتعبير عن رأيه، ليس أمام الضيف، بل أمام من يفرض عليهم البروتوكول الاجتماع بهم.

في جميع أنحاء العالم، يدور نقاش مستمر حول دور المؤسسة الدينية. وفي الغرب، الذي فصل الدين عن السياسة، بقيت الكنيسة حارسة للنظام. وهذا ينطبق أيضًا على المؤسسات الإسلامية في دول كبيرة، والتي تحكمها ظاهريًا قواعد الشريعة، بينما تحكمها في الواقع شريعة الغاب. وفي الوقت نفسه، تقف جموع من الناس بعيدًا عن المشهد، متشبثين بالأساطير حول المستقبل، أو يهربون إلى الماضي بكل موروثاته لتجنب مواجهة الحاضر القاسي.

وعلى الرغم من كل شيء، نجد أنفسنا مضطرين إلى التعامل وفقًا لقواعد معينة لتجنب الإساءة إلى المناسبة. حتى أن نقابتنا، على سبيل المثال، رأت أنه من المناسب تعطيل الصحافة تكريمًا للضيف الكبير.

لا يكترث اللبنانيون إذا أقاموا حفلة نفاق لأيام، فالقادة لن يتأثروا بما يحدث، والضيف لن يشعر بضيق أحوال الناس، بينما يخرج اللبنانيون في اليوم التالي ويتحدثون بسذاجة عن تفوقهم.

ولكن، هل يمكن للبابا أن يغادر لبنان وهو يعتقد أن ما شاهده هو الحقيقة الكاملة؟ وهل سيكون لديه الوقت الكافي لفحص الوجوه والأماكن، ومعرفة العقم الذي يسيطر على العقول السياسية، والتزوير المستمر للتاريخ، وتحويل التسامح والمصالحة إلى هروب من العقاب وتحميل المسؤولية؟ هل سيتفحص أسماء مستقبليه ليجد عائلات لها تاريخ طويل ولا تزال في موقعها السياسي والاجتماعي، بل إنها أقوى من رجال الكنيسة أنفسهم؟

وهل سيقرأ بعض الرسائل من فقراء الرعية الذين بدأوا يهربون من الصلاة لأن الكاهن ملّ الاستماع إلى شكواهم من صعوبة العيش؟ وهل سيتاح له الاستماع إلى صوت عاقل يخبره بأن مصير أبناء الكنيسة لم يعد بأيديهم، وأن خلاصهم يكمن في الاندماج حيث يعيشون وليس في البحث عن علاج لمرض عضال اسمه الانعزال؟

بالطبع، لن يحدث أي شيء مما سبق. وسيخرج من يقول إن من يطرح هذه الملاحظات هو حاقد على الوجود المسيحي في البلاد، ويريد نظامًا مدنيًا، وكيف يفرض تفوقًا عدديًا لطائفة على أخرى.

وإن من يريد إعادة النظر في بنية اقتصاد الاستهلاك يتمسك بالتخلف وأفكار الجهل التي تسمى اشتراكية، وإن كل من يريد محاسبة من كان مسؤولًا عن النظام المالي والنقدي في البلاد هو في الحقيقة حاقد على النظام الأنجح في تاريخ لبنان... وفوق كل ذلك، فإن من يتجرأ ويفتح سيرة الاعتداءات الإسرائيلية المستمرة على لبنان إنما يريد جرنا من جديد إلى حروب باسم التحرير والمقاومة، حتى يصبح السؤال قاسيًا إذا ما وجه إلى أهل الحكم جميعًا وكل الذين التقاهم البابا أو أنصتوا إليه: ترى هل فكر أحدكم أن يأخذ معه أوراقًا صغيرة عليها أسماء وصور لبنانيين خطفهم جيش الاحتلال ويمنع على أهلهم تفقد أحوالهم؟ وهل فكر أي مسؤول أن يسأل البابا إن كان يقدر على إعادتهم إلى عائلاتهم؟

لكن الحقيقة الأكثر قساوة هي التي تخص الناس البسطاء الذين استمتعوا بالجلوس أمام الشاشات وهم يفركون أعينهم عندما يرون الشوارع قد أصبحت نظيفة والعجقة اختفت بشكل نهائي ورجال الأمن ينتشرون مانعين أي مخالفة وفوق ذلك تنتشر الورود الجميلة على جنبات الممرات والطرق بينما يرسل وزير الزراعة ورقتين من الزيتون إلى سكان الجنوب تعويضًا عما دمرته الحروب... والحرم سيقع فورًا على كل من يتجرأ ويسأل: كم بلغت أكلاف التحضيرات لاستقبال البابا في بيروت ليومين ونصف يوم؟

من الواضح أن من يريد النقاش ليس له مكان اليوم. ولكن المشكلة أنه نقاش لا مكان له في أي وقت. وأن الصمت هو السبيل إلى النجاة من تهم التحريض والعنصرية والحقد كما يردد من سفك دماء أهله على مر عقود ولم يشبع بعد... ومع ذلك فهو كلام يجب أن يقال مهما ارتفع صوت الذين لا يريدون التعايش مع حقائق لبنان الجديدة...

مرحبًا بك أيها البابا في بلاد العجائب، ومرحبًا بك ضيفًا سيريحنا لأيام قليلة من صراخ المتخاصمين في هذه البلاد والمتنافسين على الظهور في موقع المحترم لوصولك، تمامًا كما يفعل معظم من لا يزالون يعيشون عقدة الرجل الأبيض!

أخبار سوريا الوطن١-الأخبار

مشاركة المقال: