السبت, 22 نوفمبر 2025 01:40 PM

البيتكوين في مفترق طرق: نظرة على مستقبل العملة الرقمية في ظل الضغوط الاقتصادية

البيتكوين في مفترق طرق: نظرة على مستقبل العملة الرقمية في ظل الضغوط الاقتصادية

بقلم: نور البيطار

تمر العملات الرقمية بمرحلة حرجة، حيث تعود التساؤلات حول مستقبل البيتكوين إلى الواجهة، خاصة بعد الانخفاض الملحوظ الذي دفع سعره إلى ما دون 90 ألف دولار، بالتزامن مع تصاعد الضغوط الاقتصادية العالمية وتراجع إقبال المستثمرين على المخاطرة.

على الرغم من أن البيتكوين كان دائمًا رمزًا للتقلبات، إلا أن المشهد الحالي يختلف تمامًا عن البيئة التي صاحبت ارتفاعاته القوية في عامي 2021 و 2023.

في تلك الفترات، ارتبط صعود البيتكوين بوفرة السيولة وتدفقات الاستثمار الضخمة التي غذت الرغبة في دخول الأصول عالية المخاطر. آنذاك، فتحت السياسات النقدية التوسعية المجال أمام المستثمرين للبحث عن عوائد أعلى بعيدًا عن الأسواق التقليدية. أما اليوم، فقد تغيرت هذه الظروف، حيث تتبنى البنوك المركزية نهجًا أكثر تشددًا، وأصبحت السيولة المتاحة في الأسواق محدودة، بينما تتراكم مؤشرات عدم اليقين على مختلف الأصعدة الاقتصادية.

انعكس هذا التراجع في السيولة بوضوح على سلوك الأسواق، ليس فقط في العملات الرقمية، بل أيضًا في أسهم التكنولوجيا التي تعتبر الأكثر جاذبية لرؤوس الأموال. يكفي أن يشهد السوق التقليدي تصحيحًا بسيطًا حتى تتسع الخسائر في غضون دقائق، مما يعكس هشاشة المزاج الاستثماري وابتعاد الكثيرين عن المخاطرة. وفي ظل هذا المناخ الحذر، أصبحت العملات الرقمية أول المتضررين.

شهدت الأشهر الأخيرة موجة شرائية اعتمدت على الزخم أكثر من اعتمادها على أساسيات متينة. يتكرر هذا السلوك عادة قبل التحولات الكبرى في السوق، حيث تتفاقم عمليات الشراء عند القمم ثم تتسارع وتيرة التصفية بمجرد تسجيل انخفاض أولي في الأسعار. ومع كسر مستوى 90 ألف دولار، بدا واضحًا أن المشترين غير قادرين على حماية المناطق الحساسة، وأن السيطرة انتقلت فعليًا إلى البائعين.

إن تجاوز هذا الحاجز السعري ليس مجرد ظاهرة رقمية، بل هو دليل على تغير في المزاج العام. فالمؤسسات المالية التي كانت من أبرز الداعمين في فترات الصعود، أصبحت أكثر تحفظًا في ضخ السيولة داخل هذه السوق المتقلبة. ومع تراجع اهتمامها، يفقد البيتكوين أحد أهم مصادر القوة التي اعتمد عليها خلال صعوده السابق.

في المرحلة المقبلة، قد تشهد السوق فترة من التذبذب الهادئ ضمن نطاق محدود، بانتظار وضوح أكبر في اتجاهات الاقتصاد العالمي. كما يبقى احتمال الهبوط الإضافي قائمًا إذا تدهورت المؤشرات الاقتصادية أو اشتدت الضغوط المالية. أما سيناريو الصعود القوي، فرغم عدم استبعاده بالكامل، يبدو أقل ترجيحًا ما لم تعد مستويات السيولة إلى سابق عهدها أو تظهر محفزات اقتصادية جديدة قادرة على إعادة الثقة إلى المستثمرين.

لا يعني هذا أن البيتكوين فقد دوره أو مكانته، بل إن طبيعة تحركاته بدأت ترتبط أكثر بالمعطيات الاقتصادية العالمية بدلًا من المضاربة وحدها. ومع نضوج السوق وازدياد الرقابة والتنظيم، تغيرت ديناميكية الصعود وأصبح الطريق أكثر تعقيدًا مقارنة بالدورات السابقة.

في المحصلة، يبدو أن البيتكوين يدخل مرحلة جديدة تتطلب قراءة أعمق وتقييمًا مختلفًا للأحداث. فالمستثمرون يقفون اليوم أمام معادلة صعبة: أصل رقمي أثبت وجوده خلال السنوات الماضية، لكنه يواجه في الوقت ذاته ضغوطًا لا يمكن تجاهلها. والسؤال المطروح يبقى: هل يتمكن من استعادة زخمه؟ أم أن الدورة الحالية تنطوي على مسار أطول نحو إعادة التوازن؟ الأيام المقبلة وحدها ستكشف الاتجاه الحقيقي.

* نور البيطار محللة أسواق مالية تعمل في شركة ACY Securities Mena

أخبار سوريا الوطن١-وكالات-النهار

مشاركة المقال: