الجمعة, 14 نوفمبر 2025 02:59 PM

تصاعد عنف المستوطنين في الضفة الغربية يثير قلقاً داخلياً ودولياً وإسرائيل تحاول احتواء الأزمة

تصاعد عنف المستوطنين في الضفة الغربية يثير قلقاً داخلياً ودولياً وإسرائيل تحاول احتواء الأزمة

أحرق مستوطنون، فجر أمس الخميس، مسجداً في بلدة دير استيا غربي مدينة سلفيت، وكتبوا شعارات عنصرية على جدرانه وحطموا نوافذه. جاء ذلك بعد ساعات من هجوم مماثل على ممتلكات الفلسطينيين قرب بلدة بيت ليد شمال الضفة الغربية.

تأتي هذه الهجمات ضمن سلسلة اعتداءات يومية يشنها المستوطنون على الفلسطينيين وممتلكاتهم. وتظهر المقاطع المصورة المنتشرة أن هذه الأعمال أصبحت أكثر تنظيماً ودموية، بمشاركة العشرات من المستوطنين المسلحين.

تصاعدت هذه الاعتداءات منذ بدء الحرب على غزة عام 2023، مستغلين الدعم السياسي من الائتلاف اليميني الحاكم ومشاركة جيش الاحتلال في الهجمات وتوفير الحماية لهم، بالإضافة إلى حملات التسليح التي أطلقها وزير الأمن القومي، إيتمار بن غفير.

الانتقادات المتزايدة، بما في ذلك من واشنطن، دفعت الرئيس الإسرائيلي وقائد جيش الاحتلال ورؤساء أحزاب إلى إدانة هذه الهجمات، في محاولة لاحتواء ردود الفعل الدولية. تزامنت هذه المواقف مع تعبير وزير الخارجية الأميركي، ماركو روبيو، عن قلقه من أن تقوض موجة العنف الحالية في الضفة جهود وقف إطلاق النار في غزة.

وصف الرئيس الإسرائيلي، إسحاق هرتسوغ، هجمات المستوطنين بـ«المروّعة والخطيرة»، معتبراً أن العنف تجاوز الخطوط الحمراء. كما دان رئيس الأركان، إيال زامير، مظاهر العنف، مؤكداً أن الجيش لن يتسامح مع أقلية من المجرمين الذين يشوهون صورة الملتزمين بالقانون. واعتبر أن الجيش ملتزم بوقف الأعمال العنيفة التي يرتكبها المستوطنون، والتي تتعارض مع القيم الإسرائيلية وتصرف انتباه قواته عن مهمتها. ورأى قائد القيادة المركزية لجيش الاحتلال، آفي بلوث، أن الرد على هذه المجموعة الفوضوية يتطلب استخدام موارد كبيرة كان من الممكن أن تُركّز على تعزيز الأمن ومكافحة الإرهاب.

زعم جيش الاحتلال أن المستوطنين الذين هاجموا قريتَي دير استيا وبيت ليد فرّوا إلى منطقة صناعية قريبة، قبل أن يهاجموا الجنود الذين توجّهوا للتعامل معهم، ما أدّى إلى إلحاق أضرار بمركبة عسكرية. وأعلنت الشرطة عن اعتقال أربعة إسرائيليين، فيما تحدث الجيش عن إصابة أربعة فلسطينيين.

استغلت المعارضة الإسرائيلية هذه الأعمال لمهاجمة حكومة بنيامين نتنياهو، وتحديداً بن غفير. وقال زعيم المعارضة، يائير لابيد، إن عنف المتطرفين اليهود في الضفة الغربية عار على إسرائيل والشعب اليهودي، وإن الوضع خرج عن السيطرة. وأشار اللواء في قوات الاحتياط، يائير غولان، إلى أن إرهابيين يهوداً يعتدون على ممتلكات الفلسطينيين في الضفة الغربية، ويجب على الشرطة والشاباك التدخّل لوقف ذلك، منتقداً الطريقة المتسامحة التي يتعامل بها بن غفير وسموتريش مع الأمر.

يحاول قادة الاحتلال اختزال المشهد في الضفة بقيام «قلة قليلة» من المستوطنين بارتكاب بعض «الأعمال» الفردية، على ضوء انتشار المقاطع المصورة التي توثق هجمات تستهدف المزارعين والصحافيين والممتلكات. وتجدر الإشارة إلى ظهور جماعة استيطانية متطرفة جديدة في جبال الضفة الغربية تُعرف باسم «وحوش التلال»، تضم عشرات الشبان اليهود الذين حوّلوا أراضي الفلسطينيين ومزارعهم إلى «ساحة رعب». وتؤمن هذه الجماعة بأحقية «شعب إسرائيل» في «أرض إسرائيل الكبرى»، وترفض أي تسوية سياسية أو أمنية قد تقترحها الدولة.

تُظهِر المعطيات الرسمية الإسرائيلية أن عام 2025 سجّل زيادة حادّة في حجم اعتداءات المستوطنين، بما في ذلك عشرات الهجمات الإرهابية التي وقعت خلال الأسابيع الأخيرة فقط. وتشير بيانات وزارة الأمن الإسرائيلية إلى تصاعد حادّ في الاعتداءات بالتزامن مع بدء موسم قطف الزيتون، حيث وصلت إلى أكثر من 68 هجوماً إرهابياً. وبحسب المعطيات الرسمية، فإن عام 2025 بكامله يتّسم بارتفاع مستمر في «الجرائم القومية»، بعدما سُجّل منذ منتصف تشرين الأول الماضي، نحو 50 اعتداء نفّذها مستوطنون متطرفون، بينما تفيد بيانات «الأمم المتحدة»، بأن عدد الهجمات في تشرين الأول وحده، قد بلغ 264، وهو الأعلى خلال عام كامل.

يحاول الإعلام العبري، بدوره، وضع الاعتداءات الأخيرة في خانة الأعمال «القومية» والفردية. وقال مصدر عسكري، لـ«القناة 12»، إن «الارتفاع في الجرائم القومية واضح جداً في الميدان»، مشيراً إلى أن «العنف المتزايد لا يسبب فقط معاناة للفلسطينيين، بل يضرّ أيضاً بالاستقرار الأمني، ويجبر الجيش على تخصيص قوات وموارد لمعالجته». وطبقاً للقناة نفسها، ففي حين أصدر رؤساء «مجالس المستوطنات» في شمال الضفة بياناً دانوا فيه أعمال العنف، فإنهم رفضوا، في الوقت نفسه، ما وصفوه بـ«التعميم ضد نصف مليون مستوطن».

أقرّت مصادر في أجهزة الأمن الإسرائيلية بأن سبب استمرار موجة الاعتداءات الاستيطانية مردّه إلى غياب أي قرار سياسي بوقفه، مؤكدةً أنّ «المسألة ليست مسألة إنفاذ قانون»، بل إن «وجود غطاء سياسي للمستوطنين يمنع التعامل الحازم مع الظاهرة التي قد تتصاعد وتؤدّي إلى فقدان أرواح». وبالفعل، أظهرت البيانات أن عمليات فتح التحقيقات تراجعت بنسبة 58% خلال السنة الأخيرة، و73% خلال السنتين الماضيتين. وشمل الانخفاض، التحقيق في قضايا إطلاق النار على الفلسطينيين (تراجع بنسبة 69%)، وحرق الممتلكات (63%)، وعمليات تخريب أخرى (62%).

وطبقاً للقناة العبرية نفسها، فإن أقل من 10% فقط من التحقيقات في عام 2023 انتهت بتقديم لوائح اتهام، فيما لا تزال غالبية ملفات عام 2024 مفتوحة أو أُغلقت من دون نتائج، ما يرسّخ غياب الردع ويكشف عن الغطاء السياسي الذي تمنحه حكومة نتنياهو لإرهاب المستوطنين. وفي هذا الإطار، اعتبر النائب غلعاد كريف، من حزب «الديمقراطيين»، أن «العدد المنخفض بشكل فاضح من الاعتقالات ولوائح الاتهام، يثبت بوضوح أن الشرطة وسائر أجهزة إنفاذ القانون، تغضّ الطرف عن الموجة الدراماتيكية من العنف القومي الذي يمارسه مستوطنون متطرّفون».

مشاركة المقال: