الخميس, 13 نوفمبر 2025 02:40 AM

من وجبة للفقراء إلى رمز وطني: كيف غزت البيتزا النابولية العالم؟

من وجبة للفقراء إلى رمز وطني: كيف غزت البيتزا النابولية العالم؟

البيتزا، اليوم، هي واحدة من الأطعمة الأكثر شعبية في العالم، لكن أصولها تعود إلى الأحياء الفقيرة في مدينة نابولي الإيطالية خلال القرن الثامن عشر. بدأت كوجبة بسيطة تلبي احتياجات العمال والصيادين الذين كانوا يبحثون عن طعام مشبع وسهل التحضير ورخيص الثمن.

في الأزقة الضيقة والأسواق الشعبية، كانت أقراص العجين الساخنة المدهونة بصلصة الطماطم وزيت الزيتون تباع على عربات خشبية، وتؤكل باليد دون أدوات. على الرغم من بساطتها، حملت هذه الوجبة نكهة نابولي وروحها الشعبية.

أصل البيتزا: وجبة الفقراء وسر البساطة

كان المبدأ الأساسي للبيتزا النابوليتانية في بداياتها هو الاكتفاء بالقليل لإعداد وجبة مشبعة. استخدم السكان المحليون عجينة بسيطة من الدقيق والماء والملح والخميرة، وأضافوا إليها الطماطم التي وصلت حديثًا إلى أوروبا من القارة الأمريكية. ومع إضافة القليل من زيت الزيتون والثوم والأعشاب العطرية، أصبحت هذه الأقراص الساخنة وجبة مثالية لمن يعملون لساعات طويلة في الميناء أو السوق، حيث كانت تمنحهم الطاقة دون تكلفة عالية.

من الأسواق إلى القصر الملكي: ولادة "بيتزا مارغريتا"

التحول التاريخي في مسيرة البيتزا جاء عام 1889، عندما زارت الملكة مارغريتا سافويا مدينة نابولي. ورغبة منها في تذوق طعام الشعب، دعاها الشيف النابولي رافاييل إسبوزيتو لتجربة أنواع مختلفة من البيتزا. أعدّ لها وصفة خاصة تضم الطماطم الحمراء، والموزاريلا البيضاء، وأوراق الريحان الخضراء، وهي ألوان تجسد العلم الإيطالي. أعجبت الملكة بالنكهة والطابع الوطني للطبق، فتمت تسميته على شرفها "بيتزا مارغريتا". ومنذ ذلك اليوم، لم تعد البيتزا مجرد طعام شعبي، بل أصبحت رمزًا للهوية الإيطالية ووحدة البلاد الحديثة.

انتشار عالمي وابتكارات لا تنتهي

مع موجات الهجرة الإيطالية إلى أوروبا وأمريكا في أواخر القرن التاسع عشر، انتقلت البيتزا من شوارع نابولي إلى مدن كبرى مثل نيويورك وشيكاغو، لتتحول تدريجيًا إلى ظاهرة عالمية. وفي القرن العشرين، أُنشئت مطاعم متخصصة بالبيتزا، وتنوعت الوصفات لتشمل مكونات من ثقافات مختلفة - من الجبن الأمريكي إلى اللحم التركي والخضروات الشرقية - مع الحفاظ على جوهرها البسيط: عجينة، صلصة، وإبداع.

من الملوك إلى طلاب الجامعات

أصبحت البيتزا اليوم وجبة عالمية بامتياز، يتشاركها جميع الفئات الاجتماعية من الملوك إلى طلاب الجامعات. فهي ترمز إلى التنوع، والبساطة، والتلاقي الثقافي، وتجسد كيف يمكن لفكرة متواضعة أن تتطور لتصبح جزءًا من التراث الإنساني والغذائي المشترك.

الخلاصة

رحلة البيتزا من أزقة نابولي الفقيرة إلى موائد العالم تظهر أن القيمة لا تكمن في الفخامة، بل في الأصالة والبساطة التي تمس الناس جميعًا. فكما وحدت "بيتزا مارغريتا" ألوان العلم الإيطالي، فقد وحدت اليوم أذواق الشعوب حول العالم في حب وجبة واحدة تعبر عن التراث والابتكار في آنٍ معًا.

مشاركة المقال: