كشفت مصادر أمريكية وإسرائيلية رفيعة المستوى عن تفاصيل الاجتماع الذي وصفته بـ "التاريخي" بين الرئيس الأمريكي دونالد ترامب والرئيس السوري المؤقت، أحمد الشرع (أبو محمد الجولاني سابقًا). وأوضحت المصادر أن هذا اللقاء جاء بعد ستة أشهر من أول اجتماع بينهما في السعودية، حيث ناقش الطرفان الاتفاقية الأمنية بين سوريا وإسرائيل، والتعاون في مكافحة داعش، ورفع العقوبات الأمريكية عن سوريا.
ووفقًا لما نقلته القناة الـ 12 بالتلفزيون الصهيوني عن المصادر، يأتي هذا الاجتماع في ظل مفاوضات متقدمة بين إسرائيل وسوريا بشأن اتفاقية أمنية. وأشارت إدارة ترامب إلى أن الاتفاقية قريبة من التوقيع، لكن لم يتم الإعلان عنها رسميًا بعد. وأضافت القناة، نقلًا عن المصادر نفسها، أن سوريا أبدت استعدادها للانضمام إلى التحالف الذي تقوده واشنطن في الحرب ضد داعش.
ويرى الرئيس ترامب، الذي نفذت إدارته عملية القضاء على الإرهابي أبو بكر البغدادي خلال فترة رئاسته الأولى، أن الشرع هو "الرجل القوي" و "الزعيم" الذي سيبذل قصارى جهده لضمان نجاح سوريا. ويأتي هذا التحول بعد أن كانت الولايات المتحدة تصنف الشرع إرهابيًا ورصدت مكافأة قدرها 10 ملايين دولار لمن يدلي بمعلومات تؤدي إلى اعتقاله.
وفيما يتعلق بماضي الشرع (الجولاني الإرهابي)، نقل موقع (الخنادق) عن ترامب وصفه بأنه "ماض صعب"، مضيفًا: "كلنا مررنا بماض صعب. لكن ماضيه كان صعبًا بالفعل، وبصراحة، أعتقد أنه لو لم يكن ماضيه كذلك، لما كانت لديه هذه الفرصة".
وبالعودة إلى تفاصيل اللقاء الذي تحاول وسائل الإعلام العربية والأمريكية والصهيونية إضفاء طابع الأسطورة عليه، فقد أجرى الشرع محادثات مع ترامب استمرت حوالي ساعتين. وعلى عكس الزيارات الرئاسية الأخرى إلى البيت الأبيض، والتي كانت تُعلن تفاصيلها في الغالب فورًا، لم يكن اجتماع الشرع مفتوحًا لوسائل الإعلام، ويعتقد على نطاق واسع أن ذلك يعود إلى "التاريخ غير المعتاد" للرئيس المؤقت لسوريا، أي الجولاني.
وبعد وقت قصير من الاجتماع، أعلنت الحكومة الأمريكية تعليق العقوبات لمدة 180 يومًا على الدول الثالثة التي تتعامل تجاريًا مع الحكومة السورية أو مؤسساتها المالية، كتمديد جديد لإعفاء ترامب الذي أعلنه في أيار (مايو) الماضي خلال زيارته للسعودية.
وتسعى إدارة ترامب لإبطال العقوبات نهائيًا على سوريا، لكن بشرط إصدار الرئاسة الأمريكية تقارير لمدة أربع سنوات حول أداء الحكومة السورية في "حماية حقوق الإنسان، ومكافحة الإرهاب، وتطهير صفوفها من المقاتلين الأجانب، وتطوير علاقات جيدة مع إسرائيل"، ما يعني فرض الهيمنة الأمريكية بالكامل على قرار النظام السوري المؤقت.
ومن اللافت خلال زيارة الشرع للبيت الأبيض انعقاد اجتماع ثلاثي ضم وزراء خارجية تركيا وسوريا والولايات المتحدة، لمناقشة مستقبل سوريا وسبل "تعزيز التعاون الإقليمي".
وصرح وزير الخارجية التركي هاكان فيدان في مؤتمر صحفي أن الاجتماع الذي جمعه بنظيريه السوري أسعد الشيباني والأمريكي ماركو روبيو، ناقش رؤى الدول الثلاث وسبل تعزيز التعاون المشترك، مشيرًا إلى أن هذا اللقاء يأتي استكمالاً لاجتماع سابق استضافته أنطاليا التركية خلال أيار (مايو) الماضي.
وأكد فيدان أن أحد أبرز محاور الاجتماع كان مناقشة العقوبات الأمريكية المفروضة على سوريا بموجب "قانون قيصر". وأشاد فيدان بجهود السفير الأمريكي في تركيا توماس براك، واصفًا إياه بـ "المبعوث النشط" في الملف السوري، وخاصة فيما يتعلق بالعلاقات بين واشنطن ودمشق، والأوضاع في جنوبي سوريا والمناطق الشمالية المحاذية للحدود التركية.
وتناول الاجتماع أيضًا تطورات الأوضاع في محافظة السويداء، التي شهدت في تموز (يوليو) الماضي اشتباكات مسلحة بين مجموعات درزية وقوات الأمن العام التابعة للجولاني وعشائر بدوية، أسفرت عن سقوط عشرات القتلى والضحايا من المدنيين، وحصل خلالها العديد من جرائم ومجازر الإبادة الشبيهة بما حصل خلال مجازر الساحل بحق المدنيين العلويين.
وفي المحصلة، لم يكن استقبال الشرع في البيت الأبيض تعبيرًا عن ثقة أمريكية بشخصه، بقدر ما كان ترجمة لمعادلة المصلحة البحتة. فواشنطن التي كانت تصفه قبل سنوات بـ "الإرهابي الأخطر"، لم تُبدّل نظرتها إلا حين أصبح وجوده أداة مناسبة لتحقيق غاية محددة: تمهيد الطريق نحو اتفاق سوري إسرائيلي يؤمن مصالح الكيان ويكرس النفوذ الأمريكي في المشرق. وبذلك، يبدو الشرع اليوم مجرد "واجهة محلية" لمشروع أوسع تُعيد من خلاله أمريكا صياغة خريطة المنطقة على مقاس مصالحها، لا على مقاس الشعوب التي دفعت أثمان الحروب، التي لأمريكا دور أساسي فيها، والفوضى.
وخلصت القناة الصهيونية إلى القول في تقريرها إن: "لقاء الشرع وترامب في البيت الأبيض يُتوّج عامًا تاريخيًا للرئيس السوري، ففي كانون الأول (ديسمبر) 2024، نجح الشرع وقواته في الاستيلاء على السلطة في البلد المُقسّم، وإنهاء حكم بشار الأسد الذي دام 24 عامًا، ومنذ ذلك الحين، قرّب الشرع، الذي قاد تنظيم هيئة تحرير الشام الإرهابي، التابع سابقًا لتنظيم القاعدة، والذي صُنّف "إرهابيًا" من قِبل الولايات المتحدة ودول أخرى عديدة، سوريّة أكثر فأكثر من الغرب.