الخميس, 13 نوفمبر 2025 01:31 AM

من حلب إلى العالم: براءة قصّاب تحوّل الألوان إلى قصة نجاح ملهمة

من حلب إلى العالم: براءة قصّاب تحوّل الألوان إلى قصة نجاح ملهمة

في ظل التحديات المعيشية والاقتصادية التي تشهدها سوريا، استطاعت الشابة الحلبية براءة قصّاب (30 عاماً) أن تحول شغفها بالفن إلى فضاء للإبداع والتعبير، تاركة بصمتها المميزة في عالم الرسم والريزن والخط العربي. خلال ثلاث سنوات فقط، أنجزت براءة أكثر من 3000 لوحة فنية بيعت داخل سوريا وخارجها.

تصف براءة بداياتها قائلة: "منذ طفولتي، وجدت نفسي منجذبة إلى الفن. كنت أكافئ نفسي بعد إنجاز واجباتي المدرسية بساعة رسم، حيث كانت الألوان تعيد إليّ نشاطي بعد تعب الدراسة." هذه الساعة الصغيرة كانت الشرارة التي أطلقت رحلتها الفنية، محولة حياتها إلى قصة أكثر شاعرية وجمالاً.

في المرحلة الثانوية، توقفت براءة مؤقتًا عن الرسم للتركيز على دراستها الأكاديمية، وحصلت على مجموع عالٍ أهلها لدخول كلية الهندسة المعمارية، وهو تخصص يجمع بين الحس الفني والدقة الهندسية. "كانت دراستي للهندسة امتدادًا طبيعيًا لفني، فقد منحتني رؤية جديدة لدمج الفن بالعلم"، تقول براءة.

خلال دراستها الجامعية، تميزت براءة بلمسة فنية فريدة، مما جعل أعمالها تحظى بإعجاب زملائها وأساتذتها. حتى أن أحد أساتذتها في مادة الرسم الحر وصفها بأنها "مشروع فنانة" واقتنى إحدى لوحاتها، معتبرًا ذلك أول تقدير فني حقيقي لمسيرتها.

بعد التخرج، اضطرت براءة للابتعاد عن الرسم بسبب الظروف الاقتصادية وارتفاع أسعار المواد الفنية، واتجهت إلى التدريس لتأمين دخلها. إلا أنها لم تجد نفسها في هذا المجال. "كان الشغف يطرق قلبي كل يوم، باحثًا عن طريق للعودة"، تقول براءة، مؤكدة أن القدر ساعدها على العودة إلى الفن بمساعدة خطيبها، الذي كان الداعم الأكبر لها وشجعها على استعادة ألوانها.

بدأت براءة رحلتها الفنية من جديد بأدوات بسيطة اشترتها من راتبها كمدرسة. ومع مرور الوقت، بدأت تتلقى طلبات على لوحاتها، على الرغم من أن أسعارها كانت رمزية في البداية. وتضيف: "لم تكن قيمة اللوحة بالنسبة لي تقاس بالمال، بل بالحب الذي أضعه فيها."

في عام 2022، أقامت براءة أول معرض فني لها في صالة الخانجي بحلب، حيث عرضت مجموعة من أعمالها التي نالت إعجاب الزوار والنقاد، وكانت هذه الانطلاقة الحقيقية لمسيرتها الفنية. ومنذ ذلك الحين، بدأت لوحاتها تجد طريقها إلى المنازل والمقاهي والعيادات في مختلف المحافظات السورية، ثم إلى عدد من الدول العربية والأجنبية.

تؤكد براءة أن طريقها لم يكن سهلاً، فقد واجهت صعوبات في تأمين المواد الأولية، لكن والدها كان حريصًا على مساعدتها لتجاوز هذه التحديات. وكان خطيبها دائمًا ما يشجعها قائلاً: "سيأتي يوم تشترين فيه أدوات من أفخم الأنواع"، وهو ما تحقق بالفعل، حيث تستخدم اليوم أفضل أنواع المواد الفنية لضمان جودة أعمالها وثقة محبي فنها.

توضح براءة أن أسعار أعمالها تبدأ من 30 دولارًا للوحة الواحدة، بينما تبدأ أسعار الساعات المصنوعة من الريزن من 50 دولارًا، وتختلف حسب القياس والتفاصيل والإضافات المطلوبة. وتشير إلى أن القيمة الحقيقية لكل عمل فني تكمن في حب الناس له وتقديرهم للشغف الذي تضعه فيه.

من أبرز أعمالها لوحات الريزن مع البلكسي، والساعات الفنية، إضافة إلى لوحات المعجون البارز مع ورق الذهب التي تشهد إقبالاً واسعاً في الوقت الحالي.

تختتم براءة حديثها برسالة مؤثرة: "دع حياتك وإنجازاتك تحكي قصة نجاح تلهم من حولك وتترك أثرًا لا يُنسى." تختصر ابنة حلب مسيرتها التي جمعت بين الفن والإصرار، لتثبت أن الإبداع لا تحدّه الظروف، وأن اللون قادر دائمًا على أن يزرع الأمل في أكثر المساحات رمادًا.

تجسد تجربة براءة قصّاب نموذجًا مشرقاً لما يمكن أن تصنعه المشاريع الصغيرة حين تتحول إلى مساحة للتمكين والإبداع، خصوصاً بالنسبة لنساء سوريا اللواتي يواجهن تحديات اقتصادية واجتماعية متراكمة. فهذه المشاريع لا تفتح أبواب الرزق فحسب، بل تمنح المرأة فرصة لاكتشاف ذاتها وتوظيف طاقاتها في مجالات الفن والحرف والعمل الإنتاجي، لتصبح شريكاً حقيقياً في بناء المجتمع وإحياء الاقتصاد المحلي. ومن خلال قصص النجاح الفردية، كقصة براءة، تتجدد الثقة بقدرة المرأة السورية على تحويل الصعوبات إلى فرص، والرسم بالأمل فوق جدران الحياة مهما اشتدت الأزمات.

مشاركة المقال: