الأربعاء, 12 نوفمبر 2025 10:04 AM

هل التصعيد النووي مجرد استعراض قوة أم ابتزاز؟

هل التصعيد النووي مجرد استعراض قوة أم ابتزاز؟

شبكة أخبار سوريا والعالم/ دمشق -م. ميشال كلاغاصي: في ظل استمرار الصراع في أوكرانيا وتعثر الحلول، وتصاعد العقوبات الاقتصادية والسياسية على روسيا، وارتفاع وتيرة التصعيد العسكري، تعود بقوة الخطابات والمفردات النووية، مثل الردع النووي والأسلحة النووية والتدريبات والمناورات. يأتي ذلك على خلفية اتهام الأمين العام لحلف الناتو، مارك روته، لموسكو باستخدام خطاب نووي خطير ومتهور، وتأكيده على أن مناورات الناتو السنوية النووية الأخيرة منحت الحلف ثقة مطلقة في مصداقية الردع النووي في مواجهة التهديدات الروسية، وعززت الثقة بقدرة الحلف على الردع، محذراً موسكو من أن الحرب النووية لا يمكن كسبها ولا ينبغي خوضها أبداً.

وفي هذا السياق، أعلن وزير الدفاع الروسي أندريه بيلوسوف أن الولايات المتحدة أجرت مناورة تدريبية لشن ضربة صاروخية نووية استباقية ضد روسيا، مما دفعه إلى اقتراح البدء بالاستعدادات لإجراء تجارب نووية شاملة في أرخبيل نوفايا زيمليا، كرد فعل طبيعي على سلوك الرئيس دونالد ترامب. ورغم تأكيد بوتين على ضرورة الاستعداد للرد، ومطالبة المختصين الروس بجمع المعلومات والتحليلات وتقديم المقترحات حول إمكانية استئناف تجارب الأسلحة النووية، تظل الصواريخ التي أعلنت روسيا عن امتلاكها، وتلك التي تم وضعها في الخدمة الفعلية، مثل صواريخ الإسكندر وصواريخ سارمات الباليستية العابرة للقارات وغواصة صواريخ البوسيدون النووية وصاروخ الكروز الروسي الجديد “بوريفيستنيك” والصواريخ الفرط صوتية التي تشمل صواريخ كينجال المحمولة جواً وتسيركون البحرية، إضافة إلى صاروخ أورشنيك وغيرها، تشكل تهديداً.

في الوقت نفسه، وصف فاسيلي نيبينزيا، مندوب روسيا الدائم لدى الأمم المتحدة، تصريحات الرئيس الأمريكي بأنها “خطيرة للغاية”، وذلك في سياق رد ترامب على تجارب موسكو على صواريخ كروز جديدة وغواصات تعمل بالطاقة النووية، و”بأن الولايات المتحدة تدرس استئناف التجارب النووية”. وأكد نيبينزيا على “ضرورة أن تأخذ موسكو هذه التصريحات على محمل الجد وتستعد لمثل هذا السيناريو”.

ويرى البعض أن التصريحات الأمريكية تنتهج سلوكاً استعراضياً بهدف التهويل والتأثير على الدول الحليفة والمعادية في آن واحد، وتسعى من خلالها لرفع منسوب التصعيد واحتمالية استخدام هذه الأسلحة.

وفي المقابل، لم يلحظ ترامب أن تصريحاته حول بدء واشنطن الفوري إجراء التجارب والتدريبات والمناورات النووية، قد يشجع بعض الدول كروسيا والصين وكوريا الشمالية وفرنسا، على انتهاز الفرصة والانضمام إلى سباق جديد تحت عنوان “تجارب الأسلحة النووية” واختبار جهوزيتها.

تشكل هذه الأمور خطوات هامة نحو التصعيد الشامل على مستوى العالم، وزيادة مخاطر نشوب صراعات كبرى، تتزايد معها احتمالية اتساع ساحات الحروب وعدد المنخرطين والمشاركين فيها.

من هنا تبرز أهمية وضرورة انعقاد القمة الروسية – الأمريكية في بودابست، والتي لم تلغ وجرى تأجيلها لعدم توفر المناخات المناسبة لعقدها مع عودة تصريحات بعض جنرالات الناتو وبشكل مفاجئ عن احتمالية هزيمة روسيا في أوكرانيا، وتأكيد بعضهم الآخر عدم قدرة الحلف على إلحاق هزيمة استراتيجية، إضافة إلى تكرار ترامب حديثه بأن روسيا “لا تريد إنهاء الصراع في أوكرانيا”.

ومن الجدير ذكره، هو ما تحدثت عنه صحيفة الـ واشنطن بوست، بأن الولايات المتحدة لم تُجرِ تجارب نووية شاملة منذ عام ١٩٩٢، الأمر الذي يصعّب العودة إليها بشكل فوري- كما أراد ترامب-، بالإضافة لكون مسرح نيفادا كأشهر موقع أمريكي لإجراء التجارب النووية يبدو بحالة سيئة منذ فترة طويلة، وأن ترميمه سيستغرق وقتاً طويلاً، ناهيك عن الأفراد الذين لم يتلقوا تدريباً حديثاً منذ أكثر من ثلاثين عاماً.

من الواضح أن ما نراه اليوم هو امتداد لذهنية الحرب الباردة رغم سخونة بعض الساحات، لجهة سباق التسلح وتوازن الردع، لكن الولايات المتحدة وعلى عكس تصريحات ترامب بأنها تتفوق على أقرانها من الدول الكبرى بخمسة وعشرون عاماً، إلا أن الحقيقة تشي بتأخرها عنهم، واستفاقت على ضعف مبيعاتها من الأسلحة الاستراتيجية والصواريخ المتطورة باهظة الثمن، بفضل تركيزها على الأسلحة التقليدية كالصواريخ التكتيكية، والطائرات، والدبابات …إلخ، الأمر الذي أفقدها هيمنتها على الأسواق، وبدأت منذ عام 2010 العمل على ردم الهوة، وبتطوير إنتاجها من الأسلحة الصاروخية والبالستية، وباتت معاهدة ستارت الجديدة تؤرق مضجعها، ليس لجهة كميات الصواريخ وأعدادها، بل لجهة جودتها ونوعيتها، وبات عليها تأخير وعرقلة تقدم خصومها، خصوصاً بعدما أدخلت نفسها في دوامةِ رفض تمديد المعاهدة أو القبول بها بشروط أمريكية.

الأمر الذي دفع واشنطن للحديث عن أسلحتها الجديدة القادمة، وعن اختباراتها الحالية التي تجريها على الصاروخ مينوتمان3 الباليستي العابر للقارات عدة مرات سنوياً، وللرهان على مساومة روسيا وابتزازها لإجبارها على التمديد بشروط أمريكية، أو لجوئها للرهان على التهويل وإخافة روسيا وجميع خصومها، وإقحام استعراضها النووي في المشهد، لإجبار موسكو على تقديم التنازلات.

مشاركة المقال: