الثلاثاء, 11 نوفمبر 2025 09:50 PM

زيارة الشرع إلى واشنطن: هل تفتح صفحة جديدة في العلاقات السورية الأمريكية؟

زيارة الشرع إلى واشنطن: هل تفتح صفحة جديدة في العلاقات السورية الأمريكية؟

تمثل زيارة الرئيس السوري أحمد الشرع إلى واشنطن ولقاؤه بالرئيس الأمريكي دونالد ترامب في البيت الأبيض بداية لمرحلة جديدة في العلاقات بين دمشق وواشنطن، بعد سنوات من القطيعة. وُصفت الزيارة بأنها "تاريخية" و"مفصلية"، وتؤكد دخول سوريا مرحلة انفتاح دبلوماسي غير مسبوقة، وتراجع العزلة التي فُرضت عليها لسنوات، وذلك بفضل سياسة واقعية متوازنة تنتهجها دمشق في ظل المتغيرات الإقليمية والدولية.

في سياق سياسي مليء بالتحولات، يعكس اللقاء بين الشرع وترامب نهجًا جديدًا اعتمدته القيادة السورية، يقوم على الحوار والتفاهم المتبادل والانفتاح على الجميع دون التنازل عن الثوابت الوطنية. وجلوس الرئيس السوري لأول مرة منذ ثمانين عامًا في المكتب البيضاوي، يشير إلى أن واشنطن تفتح بدورها بابًا لعلاقات أكثر واقعية مع دمشق، تقوم على المصالح المشتركة ومكافحة الإرهاب والاستقرار الإقليمي.

انفتاح سياسي واقتصادي يعيد سوريا إلى الواجهة

وفقًا للبيان المشترك، تناولت المحادثات قضايا الأمن الإقليمي والتعاون الاقتصادي وإعادة الإعمار في سوريا، مما يعكس رغبة الطرفين في الانتقال من التباعد السياسي إلى الشراكة العملية. حمل الشرع رؤية تقوم على "الاستقلال والانفتاح المتوازن"، وطرح مبادرات لتعزيز التعاون في مجالات الطاقة والبنية التحتية والاستثمار، في خطوة يُنتظر أن تُحدث تحولًا حقيقيًا في الوضع الاقتصادي السوري وتفتح الباب أمام الاستثمارات الأمريكية والأوروبية والعربية. الدكتورة ليان وريدي، أمينة السر في منظمة "مواطنون" السورية الأمريكية، وصفت الزيارة بأنها "حدث تاريخي عظيم لسوريا وللعالم"، معتبرةً أنها "أسست لتحالفات سورية – أميركية متينة تضمن للشعبين تحقيق مصالحهما الاقتصادية والأمنية على المدى الطويل. وقالت في حديث لمنصة سوريا 24: "شهدنا اليوم حدثا تاريخيا عظيما لسوريا وللعالم وما قد يؤسس لسلام عالمي في منطقة الشرق الأوسط ولبناء دولة سورية عظيمة آمنة ومزدهرة على المدى البعيد". وأضافت: "وضعت زيارة فخامة الرئيس احمد الشرع ووزير الخارجية أسعد الشيباني للبيت الأبيض ولقاؤهما مع فخامة الرئيس ترامب، اللبنة الاولى لبناء العلاقات والتحالفات السورية الأمريكية على اسس متينة وصحيحة، تضمن للشعبين السوري والأمريكي تحقيق مصالحهما الاقتصادية والدولية والأمنية المشتركة على المدى البعيد".

رفع العقوبات وعودة السفارة السورية في واشنطن

من جانبها، وصفت الدكتورة عزة عبد الحق، من التحالف السوري الأمريكي للسلام والازدهار، الزيارة بأنها "خطوة مهمة للغاية على أكثر من مستوى". وأشارت في حديثها لمنصة سوريا 24، إلى أن "الزيارة لها أبعادٌ سياسيةٌ رفعت اسم سوريا والحكومة السورية من قائمة الإرهاب، وأظهرت رغبة سوريا في الانضمام إلى التحالف الدولي ضد الإرهاب، وأزالت جميع الحجج التي كانت تُستخدم لتبرير استمرار العقوبات المفروضة عليها. كما فتحت الزيارة الأبواب مجددًا أمام استئناف العلاقات السورية–الأمريكية على كل المستويات: الاقتصادية والسياسية والعسكرية والاستراتيجية". وأضافت أن للزيارة بعدًا استراتيجيًّا داخليًّا يتمثّل في إضعاف القوى الانفصالية في الشمال الشرقي والجنوب، واستبدال التحالف الأمريكي القديم مع جماعات، بعضها انفصالي ولا يرغب في العمل مع الشعب وجيشه، ولا في البقاء ضمن إطار الوطن الواح، باتجاه حصر التعامل مع الحكومة المركزية في دمشق في هذه المرحلة الحرجة، بعد حربٍ طويلة طُويت فيها صفحة عدم الاستقرار. كما لفتت عبد الحق إلى البُعد العسكري للزيارة، موضحة أن انضمام سوريا إلى التحالف الدولي ضد الإرهاب "سيخدم مصالحها الوطنية ويعزز موقعها الإقليمي"، فضلاً عن أنه "سيسهم في إضعاف القوى الانفصالية شمالًا وجنوبًا، وإعادة ضبط التحالفات الميدانية لمصلحة وحدة الدولة السورية".

أبعاد استراتيجية وإنسانية

لم تقتصر أبعاد الزيارة على السياسة والاقتصاد، بل امتدت إلى المجال الإنساني والاجتماعي. فبحسب المراقبين، فإن فتح قنوات التواصل بين دمشق وواشنطن سيسهم في تشجيع اللاجئين السوريين على العودة والمشاركة في إعادة الإعمار، كما سيعيد الثقة للمواطن السوري بأن بلده بات جزءًا من المنظومة الدولية مجددًا، بعد أن كانت معزولة لسنوات طويلة. وتابعت: "لا ننسى أن للزيارة أهمية عسكرية أيضًا، تتمثّل في الانضمام إلى التحالف الدولي ضد الإرهاب، وهو ما نحن بأمسّ الحاجة إليه في بلادنا، إذ قد يخدم هذا التحالف المصالح السورية عند الضرورة". واعتبرت أن هذه الزيارة ستساهم في استقرار الاقتصاد السوري، وستفتح الأبواب أمام الاستثمارات الأمريكية والأوروبية والعربية للدخول إلى سوريا، كما ستسهّل طرق التجارة، وستربط دول الخليج بأمريكا والعالم عبر الأراضي السورية.

صورة جديدة لسوريا في المشهد الدولي

التحول الذي أفرزته زيارة الشرع إلى واشنطن لا يقف عند حدود اللقاءات البروتوكولية، بل يعكس تحوّلًا أعمق في موقع سوريا الإقليمي والدولي. فالدولة التي كانت محاصرة بالعقوبات والعزلة، باتت اليوم تُخاطب العالم من موقع الندية والتعاون، مستفيدةً من توازنات جديدة تتشكل في الشرق الأوسط. وبينما تجمع العشرات من أبناء الجالية السورية أمام البيت الأبيض رافعين الأعلام ومعبّرين عن اعتزازهم ببلدهم، بدت رسالتهم واضحة: سوريا عادت إلى العالم، والعالم عاد إلى سوريا. ورغم الفرح والتفاؤل اللذين رافقا زيارة الرئيس الشرع إلى واشنطن، فإن الأهمية الكبرى تبقى مُرتكزةً على ضرورة مواصلة العمل الجاد على المستويين الداخلي والخارجي: فداخليًّا، يجب مواصلة تحقيق الأمن والحماية لجميع فئات الشعب في سوريا، بغض النظر عن خلفياتهم الدينية أو الطائفية أو السياسية أو العرقية، وضمان تكافؤ الفرص، ومواصلة تعزيز حرية الرأي والمشاركة السياسية، وتقوية نظام المحاسبة، ومنع الأخذ بالثأر خارج إطار القانون، وفتح قنوات حوار مستمرة مع الشعب السوري ومراعاة آرائه في اتخاذ القرارات. أما خارجيًّا، فتقتضي الضرورة مواصلة التواصل مع الجاليات السورية في أمريكا والعالم، لضمان استمرار مسيرة سياسية صحيحة وقوية تبني جسورًا متينة بين الشعب السوري والعالم، وتعود عليه بالخير الوفير، حسب الدكتورة عزة عبد الحق. ووسط كل ما تم ذكره، فإن زيارة الشرع إلى واشنطن لم تكن مجرد حدثٍ دبلوماسي، بل لحظة تاريخية أعادت رسم ملامح الدور السوري في الساحة الدولية. ومع الانفتاح الأمريكي الملموس تجاه دمشق، تبدو المرحلة المقبلة مرشحةً لولادة شراكة جديدة بين البلدين، تُبنى على المصالح المتبادلة والرغبة في الاستقرار الإقليمي، ليُكتب بذلك فصل جديد في تاريخ الشرق الأوسط، عنوانه: "من العزلة إلى الشراكة".

مشاركة المقال: