يتناول المحللون والأكاديميون باستفاضة ما إذا كانت الصين تسعى للإطاحة بالدولار، وهو سؤال يصعب الإجابة عليه بنعم قاطعة. ومع ذلك، من الواضح أن هناك زيادة ملحوظة في استخدام "اليوان" الرقمي والعملات الوطنية لدول "بريكس" في تسوية المدفوعات المتعلقة بمبيعات ومشتريات الصين.
على الرغم من نفي قادة مجموعة "بريكس" وجود أي خطط سرية أو علنية للإطاحة بالدولار الأمريكي، حيث أكد الرئيس الروسي فلاديمير بوتين مرارًا أنهم لا يسعون للإطاحة بالدولار، بل يعتزمون الاعتماد على العملات الرقمية والوطنية في التبادلات التجارية. إلا أن المجموعة، التي تستحوذ على أكثر من 70% من المبادلات التجارية العالمية، قد توجه ضربة قوية للدولار بمجرد استبعاده من نظام مدفوعاتها، سواء بين دولها أو مع الدول الأخرى الخاضعة للعقوبات الاقتصادية.
لا مصلحة للصين في إزاحة الدولار من المبادلات التجارية العالمية، نظرًا لاحتفاظها باحتياطيات ضخمة من العملات الأجنبية تبلغ 3.2 تريليون دولار، وهو ما يجعلها حريصة على التأكيد المستمر بأنها لا تسعى للإطاحة بالدولار. لكن هذه التأكيدات لا تعني استمرار روسيا والصين في زيادة مخزونهما من الدولار. بل يُلاحظ زيادة غير مسبوقة في مشتريات بكين من الذهب، والاعتماد المتزايد على "اليوان" الرقمي، خاصة في مشتريات النفط، الأمر الذي يثير قلق واشنطن ويدفعها لشن حرب اقتصادية ذات مضمون سياسي على الصين، مع محاولات مستمرة لفك تحالفها الاستراتيجي مع روسيا.
لفهم العداء الأمريكي للصين ومخاوفها من تراجع مكانة الدولار، تجدر الإشارة إلى أن واردات الصين من النفط الخام السعودي بلغت 63 مليار دولار في عام 2023، في حين حوّل نظام "سويفت" نحو 150 تريليون دولار. إذا تحولت مدفوعات الصين إلى "اليوان"، بالإضافة إلى مشترياتها النفطية من إيران وروسيا، فسيمثل ذلك تهديدًا مباشرًا لهيمنة الدولار على المدى المنظور، على الرغم من التصريحات العلنية بعدم وجود خطط للإطاحة به أو تخفيض التعامل به في المدفوعات التجارية الدولية.
وإذا تمت التجارة بين هونغ كونغ وكوريا واليابان والصين باستخدام العملات الرقمية للبنك المركزي دون الدولار، فقد يتأثر استخدام الدولار في ما يقرب من 20 في المئة من تجارة الصين البالغة 5 تريليونات دولار أميركي.
الخلاصة: قد يكون التخلص من نظام الدولرة بطيئًا، لكن سيأتي يوم "التخلّص" عاجلا أم آجلا اما بسبب زيادة استخدام العملات الرقمية البديلة، أو بفعل صدمة أو كارثة اقتصادية، وهذا مايحاول الرئيس الأميركي تجنبه بالعقوبات، وبالإملاءات، وبالرسوم المرتفعة، وبإرغام العالم على الإستثمار في أميركا، لكن السؤال: إلى متى؟
د. علي عبود
(أخبار سوريا الوطن-1)