في مدينة جبلة الساحلية بمحافظة اللاذقية، ينتصب المدرج الروماني شامخاً كشاهد على حضارة عريقة ازدهرت منذ حوالي ألفي عام. كانت جبلة في تلك الحقبة مركزاً تجارياً وثقافياً هاماً على شاطئ المتوسط.
هذا المدرج، الذي يعود بناؤه إلى العهد الروماني المبكر، وتحديداً خلال فترة حكم الأسرة السيفيرية في القرن الثالث الميلادي، لم يكن مجرد مكان للترفيه، بل كان يمثل قلب الحياة الاجتماعية والثقافية للمدينة.
عندما تجلس اليوم على مقاعده الحجرية وبين جدرانه الصامدة، يمكنك أن تستشعر صخب الجماهير القديمة وتتخيل أصداء المسرحيات الموسيقية والدرامية التي كانت تعج بها جنباته، وكأن الزمن قد توقف للحظة.
يتميز المدرج بتصميمه الروماني الكلاسيكي نصف الدائري، حيث تتدرج المقاعد الحجرية بطريقة تتيح رؤية مسرح الأداء من جميع الزوايا. يبلغ قطر المدرج حوالي تسعين متراً، مما كان يسمح له باستيعاب آلاف المتفرجين.
إن استخدام الحجر المحلي والعقود المدروسة في بنائه قد منحه متانة استثنائية، وهو ما يجعل الزائر يشعر بمهارة الرومان وقدرتهم الفائقة على دمج العمارة مع البيئة الطبيعية المحيطة.
زيارة المدرج تمنح الزائر تجربة فريدة تتجاوز مجرد المشاهدة، فهي بمثابة رحلة عبر الزمن. يمكنك أن تتخيل أصوات الجماهير التي كانت تحتشد هنا، والاحتفالات الرسمية والدينية التي كانت تقام، واستقبال السكان والتجار والزوار القادمين من المدن المجاورة، في لحظات تجسد التجمع الحضاري الساحر.
بعد مرور قرون من التحولات التاريخية، بدءاً من العهد الروماني مروراً بالبيزنطي ثم العهد الإسلامي، لا يزال المدرج شاهداً حياً على الماضي العريق، يدعو كل زائر للتأمل في أصالة المدينة وتاريخها الممتد على طول الساحل السوري.
حتى يومنا هذا، يظل المدرج مكاناً يثير الفضول، فهو ليس مجرد نصب أثري، بل هو تجربة حية تلامس التاريخ وفن العمارة الرومانية، وتمنح الزائر شعوراً بالارتباط المباشر بالحضارات القديمة التي أسست ثقافة المنطقة.
الجلوس بين جدران المدرج الصامتة يمثل فرصة حقيقية لعيش الماضي، حيث يلتقي الفن والمجتمع والحضارة في مكان واحد، يروي ألف حكاية لكل من يقف على حجره الصلب.
اخبار سورية الوطن 2_وكالات _الحرية