يشهد سعر صرف الدولار الأمريكي ارتفاعاً مستمراً مقابل الليرة السورية، حيث تجاوز في بعض الأحيان مستوى 12000 ليرة للدولار الواحد. ويرى الخبير الاقتصادي والمصرفي الدكتور إبراهيم نافع قوشجي أن هذا الارتفاع يعود إلى خلل في الثقة النقدية وليس إلى توازن طبيعي بين العرض والطلب.
وأشار قوشجي إلى أن سياسة تقييد السيولة التي يتبعها مصرف سوريا المركزي، والتي تهدف إلى كبح التضخم، تؤدي عملياً إلى تقليل حجم التداول بالليرة، مما يدفع الأفراد إلى الاحتفاظ بالدولار كأداة للتحوط. وأوضح أن السوق يعاني من نقص في الثقة بالليرة أكثر من معاناته من فائض الطلب على الدولار.
كما لفت إلى أن الفجوة بين السعر الرسمي والسوق السوداء، وإن كانت محدودة، تعكس اختلافاً في الرؤية بين المصرف المركزي والمجتمع الاقتصادي، حيث لا يثق السوق في البيانات الرسمية، خاصة في ظل غياب إجراءات ملموسة تدعم التصريحات حول "استبدال العملة" أو "ضبط السيولة".
ويرى قوشجي أن السعر الحالي للدولار مبالغ فيه جزئياً، ويعكس مخاوف نفسية أكثر من كونه يعكس واقعاً اقتصادياً ملموساً. وأشار إلى أن الليرة السورية تواجه ضغوطاً هيكلية ونفسية متراكمة، على الرغم من بعض المؤشرات الإيجابية التي تروج لها الجهات الرسمية.
وأوضح أن ضعف الإنتاج المحلي وزيادة الاعتماد على الاستيراد يخلقان طلباً دائماً على الدولار، في حين أن العرض يظل محدوداً بسبب العقوبات الدولية والعزلة المالية. كما أن غياب الشفافية في السياسة النقدية يضعف قدرة المصرف المركزي على توجيه التوقعات، حيث لا يملك السوق معلومات دقيقة حول حجم الاحتياطي أو آليات التدخل، مما يفتح المجال للتكهنات والذعر.
وأشار إلى أن التصريحات حول استبدال العملة أثارت مخاوف من فقدان المدخرات، مما دفع الناس إلى تحويل الليرة إلى الدولار كملاذ آمن. كما أن هيمنة الاقتصاد غير الرسمي على التداول تجعل أدوات المصرف المركزي النظرية غير فعالة، حيث يصبح ضبط السوق شبه مستحيل حين تكون معظم العمليات خارج النظام المصرفي.
وأكد قوشجي أن كل تقلب في سعر الصرف ينعكس مباشرة على أسعار السلع المستوردة، التي تشكل جزءاً كبيراً من سلة الاستهلاك اليومية، مما يؤدي إلى تآكل القدرة الشرائية وزيادة معدلات الفقر. وأشار إلى أن أدوات المصرف المركزي، مثل التدخل المباشر عبر ضخ الدولار ورفع سعر الفائدة على الليرة وضبط السوق السوداء وتحسين الشفافية، مشروطة بوجود احتياطي نقدي كافٍ واستقلالية حقيقية في القرار النقدي وسردية اقتصادية وطنية تعيد الثقة بالليرة.
وتوقع قوشجي تجاوز حاجز 12,000 ليرة سورية للدولار الواحد، وأن السيناريو المتوقع لسعر الصرف مع بداية تبديل العملة هو انخفاض سعر صرف الليرة السورية لمستوى 15,000 – 20,000 ليرة للدولار الواحد. وأكد أنه إن لم يستعد مصرف سوريا المركزي دوره الحقيقي في إدارة السيولة واستخدام السياسة النقدية وجذب العملات الأجنبية للجهاز المصرفي، فسيبقى سوق الظل يتحكم بالمقدرات الوطنية وبمعيشة المواطنين.
الوطن – محمد راكان مصطفى