أصبحت ظاهرة اللجوء من أعقد تداعيات الحرب السورية، حيث امتدت تأثيراتها إلى الدول الأوروبية التي استقبلت السوريين في البداية على أمل جذب الكفاءات. ومع ذلك، ومع تدهور الأوضاع الاقتصادية وعودة موجات الهجرة، بدأت هذه الدول تشعر بثقل هذا الملف، خاصة مع تصاعد معارضة اليمين الأوروبي للقادمين.
في السنوات الأخيرة، تحولت دوافع الهجرة إلى عوامل اقتصادية أكثر منها أمنية، خاصة منذ عام 2020. كما أن انهيار النظام السابق نهاية العام الماضي أعاد تحريك آمال بعض الدول الأوروبية في التعاون مع السلطة الانتقالية التي قد تساهم في الحد من التدفق الإنساني.
وفقًا لتقديرات أوروبية وأممية، تراجع تدفق اللاجئين السوريين إلى أوروبا بنحو 60٪ خلال الأشهر الماضية، نتيجة لتوقف معالجة طلبات اللجوء في بعض الدول. لكن السؤال يبقى: هل سيستمر هذا الانخفاض؟ وما تأثير المتغيرات الراهنة عليه؟
في الواقع، يبدو أن خيار اللجوء سيظل ملازمًا لشرائح من السوريين، خاصة في ظل عدم الاستقرار السياسي والأمني والاقتصادي، الذي لا يزال يحفز على الهجرة، وإن بوتيرة أضعف مقارنة بأوقات النظام السابق. ويُقدر أن هذه العوامل تشكل على الأقل 40٪ من دوافع اللجوء الحالية.
في مناطق مثل الساحل وريف دمشق والسويداء، أدى التصاعد في الأحداث الدموية إلى لجوء أقليات دينية وقومية إلى لبنان أو محاولة الوصول إلى أوروبا أو كندا، بطرق قانونية أو غير نظامية. كما أن استمرار التدهور الاقتصادي والخشية من الانفلات دفع فئات اجتماعية أوسع إلى السعي نحو الهجرة.
وقد لخص الأمر في تصريحات بليغة لمرجع ديني في اللاذقية: «الشعب ضائع وفكرة الهجرة كبيرة»، وهي عبارة ترددت على نطاق واسع بين السوريين.
هذا العام، بلغ متوسط القادمين شهريًا حوالي 415 ألف شخص. لكن بالرغم من وقوع حوادث غرق مأساوية لسوريين خلال محاولاتهم الوصول إلى أوروبا — مثل حادث قبرص في آذار الماضي أو الحادث قبالة جزيرة لامبيدوزا — لا تزال المخاوف من العودة كبيرة.
فقد عاد إلى البلاد نحو 850 ألف لاجئ، بحسب مفوضية اللاجئين، لكن غالبية العائدين كانوا من تركيا ولبنان والأردن والعراق، وظهرت رفضات واضحة لفكرة العودة في ظل استمرار الانفلات الأمني والمخاطر المحتملة. كما أن الموقف الألماني الأخير، الذي حذر مواطنيه من السفر إلى سورية بسبب وجود “جماعات إرهابية وميليشيات إجرامية”، يعكس التصور السلبي الراسخ لدى الرأي العام الأوروبي والعربي تجاه الوضع في سورية.
وفي المقابل، بدت بعض الدول كالبرازيل أكثر انفتاحًا، إذ أطلقت قنوات لجوء إنساني عبر سفارتها في دمشق، فيما تستمر دول أخرى في قبول السوريين من خلال برنامج الكفالة الكنسية.
ترى الحكومة الانتقالية أن دخول أكثر من أربعة ملايين شخص إلى البلاد منذ بداية العام حتى آب يُعد مؤشرًا على استعادة الثقة والعودة نحو الاستقرار، لكن تحليل الأرقام يشير إلى ما وراء ذلك. فخلال الأشهر الثمانية الأولى، بلغ عدد القادمين حوالي 3.318 ملايين مسافر، فيما يُقدَّر عدد العائدين طوعيًا بنحو 727 ألف شخص. وبهذا يكون متوسط القادمين شهريًا حوالي 415 ألف شخص، بزيادة طفيفة تبلغ 8.5٪ عن متوسط العام الماضي. هذا النمو الطفيف يشير إلى استمرارية في الحركة الحدودية الموسمية أكثر منه دليلًا على تحول ديموغرافي حقيقي. الفارق الإيجابي بين الداخل والخارج في الحركة ليس مؤشرًا على ثقة في الداخل، بل على كثافة الدخول العابر وتكرار التسجيل الإداري. وفي المجمل، لا يبدو أن هناك تحولًا جذريًا في موازين الهجرة، خصوصًا في ضوء استمرار المخاطر الأمنية وعدم توفر شروط العودة المستدامة.