الأحد, 26 أكتوبر 2025 07:40 PM

تراجع أسعار الأسمنت في سوريا رغم ارتفاع الطلب: نظرة على الأسباب والتحديات

تراجع أسعار الأسمنت في سوريا رغم ارتفاع الطلب: نظرة على الأسباب والتحديات

تتأثر أسعار الأسمنت، المادة الأساسية في قطاع البناء والتشييد في سوريا، بالظروف الاقتصادية المحلية وتكاليف الإنتاج والمواد الأولية. وقد شهد سوق الأسمنت في سوريا تقلبات ملحوظة هذا العام، متأثرًا بتقلبات سعر صرف الليرة السورية مقابل الدولار الأمريكي، وتكاليف الإنتاج المحلية، وتوفر المواد الأولية وأسعارها، والعرض والطلب في السوق.

رصدت عنب بلدي انخفاضًا في سعر طن الأسمنت "البورتلاندي" (الأكثر شيوعًا) إلى نحو 120 دولارًا أمريكيًا، بعد أن سجل 165 دولارًا قبل سقوط النظام، وذلك مقارنة بأسعاره في نهاية عام 2024.

في أيار الماضي، أوقفت وزارة الاقتصاد والصناعة السورية قرارًا بفرض رسوم على الأسمنت المنتج محليًا في القطاعين العام والخاص، بهدف رفع القدرة التنافسية للاقتصاد الوطني وتشجيع الصناعة المحلية.

تأثير الخامات الصلبة في صناعة الأسمنت

أكد مدير المؤسسة العامة لصناعة وتسويق الأسمنت ومواد البناء (عمران)، محمود فضيلة، لعنب بلدي، أن سوريا تمتلك جميع العناصر والخامات اللازمة لصناعة الأسمنت. وأشار إلى أن المؤسسة العامة للجيولوجيا تقوم ببيع هذه الخامات بأسعار محددة، وأن "عمران" تسعى لإيصال رسالة إلى المؤسسة العامة للجيولوجيا والثروات المعدنية والوزارات المعنية لخفض قيمة المواد الأولية.

من جانبه، أوضح ياسر دلال، الرئيس التنفيذي لمجموعة "يعقوبيان" المحدودة المسؤولية، قسم التعهدات ومواد البناء، لعنب بلدي، أن أراضي ومقالع المواد الخام الأولية مملوكة للدولة وتتبع إدارتها للمؤسسة العامة للجيولوجيا، وهي المسؤولة عن عقود الاستثمار والتسعير. وأضاف أن الأسعار في السنوات السابقة كانت وسيلة للاستغلال والفساد، ومبالغ بها مقارنة بتوفرها الطبيعي، معتبرًا ذلك السبب الرئيسي لارتفاع سعر طن الأسمنت في سوريا سابقًا. وكشف دلال أن أسعار المواد الخام الحالية لم تختلف عن السابق، وأنها بحاجة لإعادة دراسة وتقييم من قبل المؤسسات المعنية للوصول إلى سعر أمثل يضمن حق الدولة والمواطن في ثروته الجيولوجية والمعدنية، ويضمن تطور صناعة الأسمنت لتكون أسعارها منافسة لدول الجوار كالأردن وتركيا.

أكدت الأستاذة في قسم الجيولوجيا بكلية العلوم بجامعة "تشرين"، أحلام ابراهيم، لعنب بلدي، أن أماكن وجود الخامات الصلبة تعد من أهم عوامل اختيار الموقع الجغرافي لمصنع الأسمنت، إضافة إلى تكلفة النقل والآليات بين مناطق وجود الخامات ومصانع الأسمنت. وتمتاز سوريا بتوفر خامات صلبة مهمة في صناعة الأسمنت، كالحجر البازلتي، والحجر الكلسي، والجص، والرمل، والبوزولانا، والحديد الخام، والغضار. كما يتم استيراد خامات صلبة تعتبر مصدرًا للطاقة الحرارية، كالفحم الحجري الذي يستعمل في الفرن الدوار.

"الجيولوجيا" توضح

أكدت المؤسسة العامة للجيولوجيا والثروة المعدنية توفر الخامات الصلبة، وعلى رأسها الكلس والبازلت والجص، بكميات كبيرة في معظم المحافظات السورية، وأن هذه الخامات تشكل العمود الفقري لصناعة الأسمنت في سوريا، وتخضع لرقابة جيولوجية وفنية مستمرة لضمان جودتها واستدامتها.

أوضح مدير عام المؤسسة، سراج الحريري، لعنب بلدي، أن تسعير المواد الخام يتم من قبل عدة وزارات ومؤسسات حكومية بعد دراسات موسعة، وأرجع ارتفاع الأسعار إلى عوامل تشغيلية ولوجستية، أبرزها ارتفاع تكاليف النقل والطاقة والصيانة، نتيجة تقلبات سعر الصرف وصعوبة تأمين المحروقات. وأضاف أن العقوبات الاقتصادية المفروضة على سوريا أثرت على توريد قطع الغيار والمعدات اللازمة لاستخراج وتصنيع المواد، ما أدى إلى انخفاض الكفاءة التشغيلية وارتفاع التكلفة. كما أشار إلى أن بعض المواقع التعدينية تحتاج إلى إعادة تأهيل أو توسعة، وهو ما يتطلب استثمارات إضافية. وكشف الحريري أن المؤسسة تعمل بالتنسيق مع عدة وزارات ومؤسسات حكومية، منها وزارة الاقتصاد والصناعة ووزارة المالية، على إعادة دراسة الأسعار، وتطوير آليات التسعير لهذه المواد، وإعادة تشغيل مواقع إنتاج متوقفة. وقال إنه يمكن الحصول على نشرة أسعار المواد الأولية المعمول بها حاليًا من خلال مراجعة المؤسسة العامة للجيولوجيا والثروة المعدنية. كما يجري حاليًا إعداد خطة لتحديث مواقع المواد الخام، بما يسهم في تخفيض التكلفة وتحقيق أسعار تنافسية، خاصة في ظل ارتفاع أسعار الأسمنت المستورد.

عرض الحريري بعض التحديات التي تعوق خفض أسعار هذه المواد وتتمثل في:

  • ضعف البنية التحتية في بعض المناطق التعدينية.
  • ارتفاع تكاليف الطاقة والاعتماد على مصادر غير مستقرة.
  • الحاجة إلى تحديث الأنظمة الإدارية والمالية في بعض الشركات المنتجة.
  • تفاوت القدرة الشرائية بين القطاعين العام والخاص، ما يفرض تحديات في توحيد الأسعار.

دعا وسائل الإعلام إلى مواكبة التطورات الإيجابية في قطاع الأسمنت، خاصة في ظل انطلاق مشاريع إعادة الإعمار، لافتًا إلى التزام المؤسسة والمعنيين بتأمين المواد الأولية لجميع الشركات المحلية والدولية الراغبة بالاستثمار.

عوامل أخرى تؤثر في الأسعار

تعتبر حوامل الطاقة أحد أهم عناصر التكلفة في صناعة الأسمنت، وتشكل قرابة 65% من تكلفة الإنتاج. ووفقًا للخبير الاقتصادي الدكتور فادي عياش، فإن ارتفاع أسعار هذه الحوامل بالتزامن مع نقص مادة "الفيول"، يعتبر أهم التحديات والصعوبات التي واجهت صناعة الأسمنت في سنوات الحرب السورية. وأضاف عياش أنه على الرغم من تحسن ظروف التشغيل نسبيًا في الأشهر الأخيرة، لجهة إمكانية توفر حوامل الطاقة، ظلت أسعارها تشكل عائقًا تنافسيًا مؤثرًا لصناعة الأسمنت المحلية.

أشار مدير المؤسسة العامة لصناعة وتسويق الأسمنت ومواد البناء (عمران)، محمود فضيلة، إلى بعض العوامل المؤثرة في سعر مادة الأسمنت في سوريا، كاحتياج السوق، وزيادة طلب المستهلك للمادة على الكمية المعروضة المتوفرة، وارتفاع أسعار الأسمنت في الأسواق الإقليمية.

فجوة بين الإنتاج والحاجة

يقدر الطلب على الأسمنت في السوق السورية من 10 إلى 15 مليون طن سنويًا، وتبلغ الطاقة الإنتاجية الحالية في سوريا حوالي 4.5 مليون طن سنويًا بالشراكة بين القطاعين العام والخاص، ولا يغطي الإنتاج المحلي مع المستورد سوى أقل من 50% من الحاجة، وفقًا للخبير الاقتصادي الدكتور مجدي الجاموس. وعلى خلاف فضيلة، يعتقد الجاموس أن ارتفاع الطلب على مادة الأسمنت في سوريا لن يؤثر بشكل كبير على ارتفاع سعره في السوق. ويرجع ذلك إلى عوامل عديدة، أهمها أن الطلب المتزايد قادر على استيعاب أي تغيرات سعرية، حتى في حال حدوث ارتفاع في الأسعار (وهو أمر غير مرجح برأيه)، ووجود استيراد من دول مجاورة يفرض سقفًا معينًا للأسعار على المستثمر الالتزام بها. كما أن دخول بعض المعامل إلى الاستثمار سيخلق حالة تنافسية جديدة، ما يساعد على ضبط الأسعار أو حتى خفضها.

تعد صناعة الأسمنت من الصناعات الأساسية والضرورية في مرحلة التعافي وإعادة البناء والإعمار التي تمر بها سوريا، نتيجة الدمار الكبير في قطاع البناء والإنشاءات والبنى التحتية بعد حرب دامت أكثر من عشر سنوات.

مشاركة المقال: