الإثنين, 20 أكتوبر 2025 02:09 AM

الشركة السورية للنفط: هجرة الكفاءات والتخبط الإداري يهددان مستقبل القطاع

الشركة السورية للنفط: هجرة الكفاءات والتخبط الإداري يهددان مستقبل القطاع

تواجه الشركة السورية للنفط منعطفاً حرجاً يتسم بتزايد الاضطرابات الإدارية والتراجع الملحوظ في المتابعة الميدانية والعمق الفني. على الرغم من أهمية الشركة كركيزة أساسية للاقتصاد الوطني، إلا أن علامات الضعف الداخلي أصبحت واضحة ومثيرة للقلق على مستويات عدة.

تغييرات إدارية متسارعة: فوضى تعيق الاستقرار

شهدت الشركة خلال السنوات الأخيرة سلسلة من التغييرات المتلاحقة في كوادرها الإدارية العليا. هذه التغييرات، التي غالباً ما تُبرَّر تحت شعار "الإصلاح والتجديد"، لم تنجح في خلق بيئة مستقرة إدارياً أو فنياً. فكل إدارة جديدة تبدأ برؤية مختلفة، مما يؤدي إلى تداخل الصلاحيات، وتشتت الأولويات، وانقطاع استمرارية الخطط الاستراتيجية. وقد نتج عن ذلك توقف أو تباطؤ العديد من المشاريع الحيوية، ودخول العاملين في الحقول في حالة من الغموض بشأن توجهات الشركة.

إقصاء الخبرات وتآكل الركيزة الفنية

تعاني الشركة من خسارة كبيرة للخبرات النوعية التي شكلت عمودها الفقري الفني على مر العقود. فقد تم إبعاد عدد كبير من المهندسين والفنيين الأكفاء ذوي الخبرة الطويلة عن مواقع اتخاذ القرار الهامة، واستبدالهم بأشخاص قد يفتقرون إلى الخلفية التقنية والمعرفة اللازمة لإدارة ملفات حساسة كهذه. هذا التغيير في الهيكل البشري أثر سلباً ومباشرة على جودة القرارات الفنية وكفاءة التنفيذ الميداني، حيث غابت الرؤية العلمية الدقيقة في معالجة المشكلات التشغيلية المعقدة.

ضعف المتابعة الميدانية وتهديد الإنتاج (خاصة في المنطقة الوسطى)

تعتبر حقول المنطقة الوسطى مواقع إنتاجية استراتيجية للبلاد، لكنها تشهد حالياً تدهوراً واضحاً في مستوى الإشراف والمتابعة. فقد تقلصت الزيارات الميدانية الضرورية، ولم تعد التقارير الفنية تُراجع وتُدقق بشكل دوري كما ينبغي. هذا التراخي يخلق مجالاً واسعاً لنمو الأخطاء التشغيلية وتفاقم الهدر غير المبرر. العمل الميداني في هذا القطاع الحيوي يتطلب إشرافاً مباشراً ومستمراً لا يمكن تعويضه بالمتابعة المكتبية وحدها.

استبدال الكفاءة بالولاء: فجوة الخبرة تتسع

من أخطر المشكلات الراهنة هي عملية استقطاب كوادر جديدة إلى مناصب مؤثرة دون امتلاكهم للتجربة العملية الكافية أو الشهادات العلمية التخصصية المطلوبة. على الرغم من أن هذا التوجه قد يبدو ظاهرياً كضخ لدماء جديدة، إلا أنه تم في حالات كثيرة على حساب أصحاب الخبرة الراسخة والمعرفة العميقة في القطاع النفطي. هذا الأمر أحدث فجوة واضحة بين المعرفة النظرية والتطبيق العملي، مما أضعف جودة الأداء في المفاصل الحيوية للإنتاج.

تجميد عمليات الاستكشاف والحفر: رهن مستقبل القطاع

لا يمكن لأي قطاع نفطي أن يستمر بالاعتماد على إنتاج الحقول القديمة فحسب. إن توقف عمليات الإصلاح، والاستكشاف، والحفر خلال الفترة الماضية يُعد مؤشراً خطيراً، ويُقلل من الأمل في اكتشاف مكامن جديدة قادرة على تعويض التراجع الطبيعي والزمني في إنتاج الحقول الحالية. إن غياب الخطط الاستكشافية الجادة يهدد بشكل مباشر المستقبل الإنتاجي للشركة على المدى الطويل، ويجعلها رهينة لما تبقى من قدرة الحقول القديمة.

ماذا بعد؟

تحتاج الشركة السورية للنفط اليوم إلى مراجعة استراتيجية هادئة ومسؤولة، تُعيد التوازن الضروري بين القرار الإداري الحكيم والخبرة الفنية العميقة، وتستعيد الثقة بالكفاءات الوطنية التي بنت هذا القطاع. إن الإصلاح الحقيقي لا يبدأ بمجرد تبديل الوجوه، بل يتطلب بناء رؤية مؤسسية مستمرة ومستقرة، تعيد للشركة مكانتها كركيزة أساسية للاقتصاد الوطني.

كما يجب المحافظة على حقوق الدولة السورية والمواطن من خلال:

  • الإدارة المثلى للحقول: عبر إطلاق مناقصات دولية شفافة ومحددة المدة، تخضع لضوابط دقيقة وتشارك بها كبرى الشركات العالمية ذات السمعة والكفاءة.
  • تجنب المسارات غير التنافسية: الابتعاد عن مذكرات التفاهم المشبوهة أو العروض التي تفتقر للشفافية، والتي لا تحقق التنافسية المطلوبة أو العدالة والمساواة بين العارضين.

مع العلم أن مخازين الشركة تزخر بمعدات ومواد قادرة على رفع الإنتاج بملايين الدولارات شهرياً، دون الحاجة إلى الاعتماد الحصري على استثمارات خارجية فورية، شريطة وجود الإرادة الإدارية والقرار الفني السليم لاستغلالها.

زمان الوصل

مشاركة المقال: