في شباط/فبراير من عام 1982، شهدت مدينة حماة فاجعة مروعة، حيث تحول معمل البورسلان إلى مسرح لعمليات قتل جماعي، ما جعله أحد أكثر المواقع دموية في تاريخ سوريا الحديث. هذا المعمل، الذي كان يمثل رمزًا للصناعة المحلية، تحول إلى ثكنة عسكرية تحت إمرة قوات الجيش، وشهد إعدامات جماعية وحرقًا لجثث المدنيين، في مشهد يصفه البعض بـ "الهولوكوست السوري".
وفقًا لشهادات الناجين ووثائق جمعها ناشطون، تم اقتياد الآلاف من رجال المدينة إلى داخل المعمل، حيث تُركوا في العراء تحت ظروف قاسية من المطر والبرد، دون توفير الطعام أو الغطاء. لقي العديد منهم حتفهم نتيجة التعذيب، بينما نُقلت جثث آخرين إلى أفران المعمل، حيث أُحرقت بدرجات حرارة عالية كانت مخصصة لإنتاج البورسلان، مما حول المكان إلى محرقة بشرية.
لاحقًا، قام محافظ حماة آنذاك، محمد حربة – الذي شغل لاحقًا منصب وزير الداخلية – بزيارة موقع المجزرة، وصرح بأن ما حدث لم يكن سوى "مشاجرة بين شخصين"، وهو تصريح اعتبره أهالي المدينة استخفافًا بدماء الضحايا.
المستشفى الوطني… من ملاذ للجرحى إلى مسرح للموت
لم يكن المستشفى الوطني في حماة خلال تلك الفترة ملاذًا للجرحى، بل تحول إلى مركز لتصفية المعتقلين والمصابين. أكد شهود عيان أن عناصر من "سرايا الدفاع" تمركزوا داخله، وكان بعضهم يتعاطى الهيروين قبل تنفيذ عمليات الإعدام، مما يعكس انهيارًا للقيم الإنسانية. كانت الجثث تملأ الممرات والحدائق، مشوهة ومقطعة، وتنقل في شاحنات النفايات إلى حفر جماعية. أما الجرحى الذين أُدخلوا للعلاج، فقد صُفّي العديد منهم داخل غرف العمليات.
جرائم لا تسقط بالتقادم
ما ارتُكب في حماة يصنفه خبراء القانون الدولي كجرائم ضد الإنسانية. حوادث مماثلة حُوسب مرتكبوها في أوروبا وآسيا بعد عقود من وقوعها، كما حدث مع الحارس النازي أوسكار غروينينغ، الذي أُدين عام 2015 في ألمانيا بتهمة المشاركة في جرائم معسكر "أوشفيتز"، رغم بلوغه الرابعة والتسعين من العمر.
في المقابل، لم تُفتح حتى اليوم أي تحقيقات قضائية مستقلة حول مجازر حماة، على الرغم من توثيقها من قبل منظمات حقوقية عدة، بما في ذلك "منظمة العفو الدولية" و"هيومن رايتس ووتش". تظل مجزرة معمل البورسلان والمستشفى الوطني شاهدتين على واحدة من أبشع الجرائم في التاريخ السوري الحديث، ووصمة لا تمحوها السنوات. فالعدالة قد تتأخر، لكنها لا تموت، وذاكرة الشعوب لا تُمحى بالنار ولا بالخوف.
سليمان الحسيني - زمان الوصل