الخميس, 16 أكتوبر 2025 11:39 AM

كنوز جبل الزاوية: مغاور أثرية تعود لملايين السنين تكشف أسراراً بيزنطية

كنوز جبل الزاوية: مغاور أثرية تعود لملايين السنين تكشف أسراراً بيزنطية

تزخر منطقة جبل الزاوية في محافظة إدلب بأكثر من ألف مغارة طبيعية وأثرية، تعتبر من أقدم مساكن الإنسان في حوض البحر الأبيض المتوسط، ما يعكس أهميتها التاريخية والمعمارية. تحكى عن هذه المغاور قصص وأساطير تثير الدهشة، وتشير إلى الأهمية التاريخية للمنطقة منذ عصور ما قبل التاريخ. وقد تم تسجيل بعض هذه المواقع الأثرية، بما في ذلك المغاور، في قائمة التراث للحفاظ عليها.

يقول الدكتور مصطفى سماق، أستاذ الآثار الإسلامية بجامعة حلب وابن مدينة أريحا، إن الكتلة الجبلية الممتدة من جبل الأربعين في أريحا حتى آخر قرى جبل الزاوية غنية بالكهوف والمغاور التي استوطنها الإنسان البدائي الأول منذ عصور ما قبل التاريخ.

وأضاف سماق في تصريح لـ "الحرية" أن هذه المغاور والكهوف تتنوع حسب الوظيفة التي استخدمت لها، فمنها ما استخدم كتحصينات عسكرية، كما هو الحال في مغاور قرية معترم، التي تبعد عن مدينة أريحا حوالي 4 كم، والمنتشرة على التلال الجبلية المحيطة بالقرية. وتمتاز هذه المغاور بأقسامها المتعددة ومساحتها الواسعة، وتحوي بئر ماء في باحتها الرئيسية. ويعود تاريخ هذه المغاور، حسب التقديرات الأثرية، إلى ما قبل الميلاد بعشرات السنين.

وأشار إلى أن بعض المغاور كانت معدة للرصد والمراقبة العسكرية كـ "حصن سرفوت"، وهي مغارة استخدمها المقاتلون المسلمون مركزاً للرصد والإعداد أثناء الحروب الصليبية في القرن الخامس هجري، وتقع شمال قرية شنان في محيط جبل الأربعين.

كما أوضح سماق أن هناك مغاور استخدمها الإنسان القديم لتكون مدافن للعظماء والقادة من الرومان ثم البيزنطيين، كتلك الموجودة على يمين الطريق الواصل من أريحا إلى جبل الأربعين والمعروفة بمدافن القنطرة. وقد ضمت هذه المدافن شخصيات حكومية من العهد البيزنطي، أهمها مدفن المستشار البيزنطي (الكسندر روس) والقائد العام 422 م، ثم مدفن المهندس المعماري البيزنطي (مالكوس بن ميتاندروس) القائد العام 421 م. وتوجد أيضاً مدافن تعود للقرن الرابع الميلادي شرقي مدينة أريحا.

ونوه بأن بعض المغاور والكهوف لعبت دوراً اجتماعياً دينياً منذ العهد الروماني الوثني مروراً بالعهد البيزنطي وانتهاء بالعهد الإسلامي، كما هو الحال في مغارة كهف الأربعين في قمة جبل الأربعين، حيث استخدم هذا الكهف ملجأ للنصارى هرباً من بطش السلطة الوثنية الرومانية في عهد الإمبراطور بول يانس الوثني. وفي العهد الإسلامي، أصبح هذا الكهف ملجأ للأولياء والصالحين، ويوجد في أحد زواياه سرداب محفور بالصخر، وقد بني بجانبه مسجد عرف بمسجد الكهف، وبنيت له مئذنة يعود تاريخها لعام 1385 هجرية.

ويشير سماق إلى المغاور ذات الدور الاجتماعي كـ "دير عصفورين"، وهي مغارة تقع بالقرب من قرية كفرجوم، وقد التجأ إليها أحد زعماء الإسماعيلية في القرن الخامس هجري خوفاً من ملاحقة القرامطة. وثمة مغارة تقع في سفح جبل الأربعين عرفت بمغارة الدرة، ويتداول حولها أسطورة تقول إن المرأة التي لا تلد إذا شربت منها تنجب.

تقع بعض مغاور جبل الزاوية في أماكن صخرية وعرة، ويتطلب الوصول إليها مهارات خاصة. يقول المرشد السياحي مازن الأشقر إن هذه المغاور استخدمت في عصور ما قبل التاريخ كمساكن للإنسان القديم، وفي العصور اللاحقة كملاجئ للتعبد أو للاختباء، وتعد اليوم مقصداً سياحياً ورياضياً لمحبي المغامرة والرحلات الاستكشافية.

وأضاف الأشقر في تصريح لـ "الحرية" أن أهمية هذه المغاور تكمن في كونها "تحفاً فنية طبيعية" تم تشكيلها عبر ملايين السنين، ويجب الحفاظ عليها من العبث والاستثمار في السياحة البيئية منها. وأكد أن اكتشاف واستكشاف هذه المغاور يتطلب مهارات خاصة وحذراً نظراً لخطورتها، ولاسيما أن بعضها يقع في مناطق يصعب الوصول إليها، مشدداً على ضرورة استثمارها وتحسين بنيتها التحتية لتصبح مقصداً سياحياً آمناً، وحمايتها لضمان الحفاظ عليها من الانهيارات والتدمير.

يشار إلى أن مغاور جبل الزاوية غارقة في جمال الطبيعة، حيث تربط بين سهول ومرتفعات تعانق الغيم، وتحوي في طياتها المناظر الجميلة بين جريان المياه وكثافة الأشجار، وتتمتع منطقة جبل الزاوية بطقس معتدل يميل إلى البرودة في فصل الشتاء ومعتدل صيفاً، ما أضفى عليها إقبال الكثير من السياح للاستمتاع بالأجواء الجميلة والتضاريس البديعة والغطاء النباتي المتنوع.

مشاركة المقال: