الأحد, 12 أكتوبر 2025 02:31 AM

الفنان والإعلامي: صراع الأجور والشهرة في ساحة التقديم التلفزيوني

الفنان والإعلامي: صراع الأجور والشهرة في ساحة التقديم التلفزيوني

أصبح دخول الفنانين إلى عالم التقديم التلفزيوني في السنوات الأخيرة ظاهرة تستدعي الانتباه، وتثير تساؤلات عديدة في الأوساط الإعلامية. لم يعد الأمر مستغرباً أن يتصدر فنان مشهور برنامجاً تلفزيونياً، بل أصبح جزءاً من المشهد الإعلامي في معظم القنوات الفضائية. ويتزامن هذا التحول مع تقلص الفرص المتاحة للإعلاميين المحترفين.

أثبت العديد من الفنانين الذين انتقلوا إلى تقديم البرامج التلفزيونية قدرتهم على تحقيق النجاح والتميز في هذا المجال، حيث جمعوا بين مهاراتهم الفنية والشخصية الجذابة والخبرات الإعلامية التي اكتسبوها مع مرور الوقت، مما ساهم في تحقيقهم نجاحات ملحوظة. فالتقديم التلفزيوني يتجاوز مجرد الظهور أمام الكاميرا، ويتطلب القدرة على إدارة الحوار، والتفاعل مع الضيوف، وفهم طبيعة المواضيع المطروحة. وقد نجح العديد من هؤلاء المقدمين في تحقيق توازن بين الترفيه والاحترافية، مما جعل برامجهم تحظى بشعبية واسعة وتحقق نسب مشاهدة عالية.

لا شك أن الشهرة التي يتمتع بها الفنان تشكل أحد الأسباب الرئيسية التي تدفع القنوات التلفزيونية إلى استقطابهم كمقدمي برامج. فظهور فنان معروف في برنامج يجذب جمهوراً كبيراً بفضل قاعدة المعجبين التي يمتلكها، مما يسهم في زيادة نسب المشاهدة، وهو أمر بالغ الأهمية بالنسبة للقنوات التي تسعى إلى تحقيق أعلى مستويات المشاهدة والإعلانات.

يعتبر التفاوت الكبير في الأجور بين الفنانين والإعلاميين من أبرز الظواهر المصاحبة لهذه الظاهرة. فالفنان يحصل على أجور مرتفعة للغاية مقابل تقديم البرامج التلفزيونية، في حين أن الإعلامي المحترف، الذي أمضى سنوات في تطوير مهاراته الإعلامية، قد يحصل على أجور أقل بكثير. هذا التفاوت يثير جدلاً واسعاً في الأوساط الإعلامية، حيث يرى البعض أن الإعلاميين الذين يمتلكون المهارات المطلوبة للتقديم يجب أن يحصلوا على فرص متساوية، وأن الشهرة هي الميزة الوحيدة التي تتيح للفنانين دخول هذا المجال.

من جهة أخرى، يعترض البعض على تفضيل الفنانين في برامج التقديم، مؤكدين أن الإعلاميين قد لا يحصلون على الفرص نفسها على الرغم من امتلاكهم الخبرات اللازمة. فالمؤسسات الإعلامية في كثير من الأحيان تفضل استثمار شهرة الفنانين لجذب أكبر عدد من المشاهدين، دون النظر إلى المهارات الحقيقية التي يحتاجها المقدم. وفي الوقت نفسه، يحصل الفنان على أجور ضخمة في التمثيل قد تصل إلى أضعاف ما يحصل عليه الإعلاميون في مجالهم.

الغريب في الأمر أن هذه الظاهرة تفتح المجال للفنانين لدخول الإعلام بسهولة، بينما يواجه الإعلامي، على الرغم من موهبته أحياناً، حائطاً مسدوداً إذا قرر التوجه إلى التمثيل أو العمل في المجال الفني. فعلى الرغم من أن الإعلاميين يمتلكون خلفية في التعبير والظهور أمام الجمهور، إلا أن الفرص في هذا المجال تظل محصورة في الفنانين فقط. وإذا اتجه إعلامي للعمل في التمثيل، قد لا يحصل على فرصة واحدة، لا من المخرجين ولا من شركات الإنتاج. وإذا نجح الإعلامي بدخول مجال التمثيل، فبالتأكيد سيشعر العديد من الممثلين بالدهشة وربما الاستغراب، وهم الذين خاضوا سنوات من التدريب والمثابرة ليتقنوا فنون التمثيل، في حين أن الإعلامي الذي اعتاد الوقوف أمام الكاميرا دون الحاجة لتعلم تقنيات التمثيل قد يحصل فجأة على فرصة لاحتلال المساحات نفسها.

قد يتقبل بعض الممثلين الفكرة بروح رياضية ويعتبرونها مجرد توسيع للآفاق أو فرصة لتنوع الأدوار في مجالي الفن والإعلام. أما البعض الآخر، فقد يجدون أن دخول الإعلاميين إلى هذا المجال بمثابة اختراق لمكانهم الخاص. ومن جهة أخرى، قد يتعامل البعض مع الأمر بعقلية "الباب مفتوح للجميع"، متأملين أن يثبت الإعلامي جدارته في هذا المجال كما أثبت نفسه في مجاله، ولكن في النهاية، سيظل التنافس على الأدوار مجالاً مملوءاً بالدهشة، والطرافة، وحتى بعض الحساسيات.

يبدو أن ظاهرة دخول الفنانين إلى مجال التقديم التلفزيوني ستستمر في النمو في المستقبل القريب، خاصة مع سعي القنوات للحصول على أعلى نسب مشاهدة. ومع ذلك، يبقى السؤال الأهم: هل ستظل هذه الظاهرة محصورة في الفنانين أم أن الإعلاميين سيحصلون على الفرص المناسبة في عالمهم؟ إن تحقيق التوازن بين استثمار الشهرة الفنية وتقدير المهارات الإعلامية الحقيقية هو ما سيحدد مسار الإعلام في المستقبل. وائل العدس

مشاركة المقال: