الخميس, 2 أكتوبر 2025 12:57 PM

شلل في واشنطن: إغلاق الحكومة يلقي بظلاله على قرارات الفيدرالي والأسواق العالمية

شلل في واشنطن: إغلاق الحكومة يلقي بظلاله على قرارات الفيدرالي والأسواق العالمية

أحمد عزام: انتهت المهلة في الكابيتول دون التوصل إلى اتفاق، ليصدر مكتب الموازنة في البيت الأبيض أوامره بتفعيل خطط الإغلاق الحكومي والاقتصار على الخدمات الأساسية. هذه هي المرة الأولى منذ سبع سنوات تقريبًا التي تشهد فيها الحكومة توقفًا بهذا الحجم، والثالثة في عهد دونالد ترامب، مما يجعل عدم اليقين السمة الغالبة للأيام المقبلة.

ما الذي يتوقف وما الذي يستمر؟ القاعدة في واشنطن واضحة: الأمن القومي، المراقبة الجوية، وخدمات الطوارئ تستمر. أما ما عدا ذلك، فيتباطأ أو يتجمد. مئات الآلاف من الموظفين يُدفعون قسرًا إلى منازلهم دون أجر فوري، ومئات الآلاف الآخرون يعملون بلا أجر مؤقت. تتراكم تصاريح الأعمال، وتبحث المنح عن توقيع مؤجل، وتُقفل المتاحف، وتنطفئ أضواء الحدائق الوطنية. الشركات التي تعتمد على العقود الفيدرالية تعيد حساباتها اليومية: الأجور، السيولة، ومواعيد التوريد تتأثر. الإغلاق ليس مجرد خبر إداري، بل هو تعطيل لشبكة واسعة من الخدمات التي تدعم القطاعات الخاصة يوميًا، من مختبرات الأبحاث إلى سلاسل التوريد المدنية.

سوق العمل تحت المجهر: بطالة "مؤقتة" ذات أثر دائم. تشير التقديرات الأولية إلى أن استمرار الإغلاق لثلاثة أسابيع قد يرفع معدل البطالة إلى 4.6-4.7% من 4.3% في آب/أغسطس، حيث يُسجل الموظفون المجازون قسرًا مؤقتًا كـ "عاطلين عن العمل". قد تكون هذه القراءة أكثر حدة في واشنطن، حيث تتركز الوظائف الحكومية والمقاولون الفرعيون. وتزداد الهشاشة مع مغادرة نحو 150 ألف موظف فيدرالي الجهاز الإداري في مطلع تشرين الأول/أكتوبر عبر برامج خروج مؤجل، ومع موجات تقاعد مبكر وتسريحات سبقت الإغلاق هذا العام. التأثير "المؤقت" غالبًا ما يترك ندبة دائمة على قرارات التوظيف والاستثمار للربع التالي، فالقطاع الخاص يتعلم الحذر سريعًا وينسى الثقة ببطء شديد.

الفيدرالي في فترة ظلام: البيانات الاقتصادية هي أولى ضحايا الإغلاق. تقرير الوظائف من مكتب إحصاءات العمال يتأخر، ومجموعة قراءات أساسية للأسعار والنشاط تتعطل. الاحتياطي الفيدرالي، الذي بدأ دورة تيسير حذرة بخفض ربع نقطة هذا الشهر مع إشارة إلى خفضين إضافيين هذا العام، يُجبر على العمل بضبابية. لا بيانات محدثة عن سوق العمل، ولا مسار تضخم دقيق في ظل تعرفة جمركية عابرة للقطاعات. عندها تصبح اللغة أكثر تحفظًا، والإشارات المسبقة أقل وضوحًا. والنتيجة؟ تسعير أكثر عصبية على المنحنى الطويل، وحيز مناورة أضيق بين تفويض الاستقرار السعري وتفويض الوظائف.

تاريخيًا، تأخر تقريرا أسواق العمل والتضخم في إغلاق 2013، لكنهما صدرا في إغلاقي 2018 و2019 مع تمويل الكونغرس. الحيرة وعدم اليقين يضيفان طبقة حيرة أخرى للأسواق العالمية.

الأسواق تراقب بحذر وخوف. في الدقائق الأولى بعد إعلان الإغلاق، انعكس نفور شهية المخاطر على الشاشات: عقود الأسهم الأميركية تراجعت، ولحقتها آسيا عند الافتتاح، فيما افتتحت أوروبا على حذر يقترب من اللون الأحمر. الدولار تراجع خطوة مع اتساع عدم اليقين، لكن عوائد الخزانة انقسمت: قصير الأجل تلقى طلبًا تحوطيًا، في حين ارتفع العائد على الآجال الطويلة نقطيًا بفعل مخاوف الإصدارات وتأجيل البيانات—منحنى أكثر انحدارًا، ورسالة أوضح بأن كلفة الوقت ترتفع.

الذهب تشبث بدوره كملاذ وتقدم بسرعة نحو مستويات تاريخية جديدة عند 3,895 دولار للأونصة، والفضة سجلت أعلى مستوياتها من 14 عام عند 47.50 دولار للأونصة، فيما خفت أسعار النفط إلى مستويات 65 دولار لبرميل برنت مع تسعير تباطؤ محتمل في الطلب الفيدرالي والإنفاق العام. مؤشر التقلبات اتجه إلى الارتفاع بذريعة الخوف، وهوامش ائتمان الدرجة الاستثمارية وعالية العائد اتسعت عدة نقاط أساس—كافية لتذكير الجميع بأن السيولة تتقلص عندما يغيب «المشتري الأكبر» عن السوق. باختصار: ردة فعل «مخاطرة إلى خارج» تتزامن مع تسعير ذكي لاحتمال إغلاق أطول، وسوق سندات يرفع لافتة التحذير قبل غيره، والذهب يمارس دوره التقليدي كملاذ آمن.

صراع السلطة: قانون أم حزمة مشروطة؟ الجمهوريون يقولون إن الحل موجود: تمويل مؤقت حتى 21 تشرين الثاني/نوفمبر بلا إضافات. مجلس النواب مرر الصيغة؛ لكن مجلس الشيوخ يحتاج ثمانية ديموقراطيين، والفجوة تضيق ببطء: ثلاثة ديموقراطيين التحقوا بالتصويت الأخير، وما زالت خمسة أصوات تنقص لإغلاق الملف. الديموقراطيون بدورهم طرحوا حزمة ديموقراطية أكبر بزيادة 1.5 تريليون دولار لبرامج صحة وخدمات، وسقطت في المجلس نفسه.

الضغط الشعبي داخل قاعدة الديموقراطيين يطالب بالاستفادة من “نقطة نفوذ نادرة” لانتزاع تنازلات في الرعاية الصحية. والبيت الأبيض يلوح بخيار أشد وقعاً: استخدام الإغلاق غطاء لتسريحات واسعة تتجاوز إجازات 750 ألف موظف، إن حدثت، يتحول الضغط الموقت إلى أثر هيكلي على مناطق تعتمد الاقتصاد الفيدرالي.

الرهينة: ضرائب التأمين الصحي وميزانيات الأسر. خيط رفيع يربط السياسة بجيوب الناس: ائتمانات أقساط “أوباما كير” تنتهي في 31 كانون الأول/ديسمبر إن لم يتحرك الكونغرس، والتنبيهات تُرسل في وقت قريب. بعض الجمهوريين المعتدلين يلمح إلى تمديد مشروط مع حدود دخل جديدة، وبعض الديموقراطيين المعتدلين يبدون استعداداً لتمويل موقت إذا دخلت تكلفة الرعاية الصحية إلى طاولة مفاوضات “جدية”.

هنا، حجم الوقت أهم من حجم المال: كل أسبوع تأخير يضع ملايين الأسر أمام احتمال قفزة في القسط عند بداية العام، ويضاعف كلفة الحل السياسي لاحقاً. وقد يعاني النمو الاقتصادي مع كل إغلاق أسبوع؛ ينزلق النمو بنسبة 0.1% – 0.2%، ومكمن الخطر هو الوقت الذي يعاني فيه الاقتصاد من تراجعات.

وراء العناوين، هناك آلاف الشركات الصغيرة والمتوسطة تعيش على دفق المدفوعات الفيدرالية. أي تأخير ينسحب على التسهيلات فائدة أعلى وشروطاً أشد صرامة من المصارف. ومع كل أسبوع، ترتفع تكلفة التمويل لمورد صغير في فرجينيا أو ماريلاند بضع نقاط أساس أخرى، وتؤجل ترقية موظف في شركة تقنية تخدم مؤسسة اتحادية. هذا هو الاقتصاد الحقيقي حين يغيب “المشتري الأكبر” عن السوق ولو موقتاً.

ذاكرة 2018–2019: ليس كل ما يضيع يعود. آخر إغلاق طويل دام خمسة أسابيع كلف الناتج نحو 11 مليار دولار وفق تقديرات الكونغرس، استعيدت منها 8 مليارات فقط بعد إعادة الفتح، ثلاثة مليارات ذهبت بلا عودة. الدرس واضح: الإغلاقات لا تسقط الاقتصاد، لكنها تصيب سمعته. والمستثمرون يكرهون السمعة المتقلبة أكثر مما يكرهون الأرقام السيئة. لهذا يصبح سؤال “مدة الإغلاق” أهم من سؤال “سبب الإغلاق”.

ماذا ترى الأسواق خلال الإغلاق؟ ترى مسارين متوازيين: الأول، قصير المدى، يحسب أيام التوقف ويضيف علاوة تقلب على الأصول الخطرة، ويحجز مساحة أكبر للذهب والسندات الأقصر. الثاني، أطول مدى، يسعر خطرًا مؤسسيًا: الفيدرالي يتخذ قراراته ببيانات ناقصة، وخزانة تصدر أكثر لتمويل عجز أعلى، ومنحنى طويل يطالب بعائد إضافي. لذلك ليس مفاجئًا أن تقفز معدلات الرهن العقاري أحيانًا أسرع من عوائد الخزانة مع كل موجة توتر. الائتمان السكني يكره الضباب أكثر مما يحب الخفض التقليدي للفائدة. وقد تبدو الملاذات الآمنة توجهًا حكيمًا في ظل عدم اليقين الكامن.

ثلاثة سيناريوات… وثمن مختلف لكل واحد. إذا انتهى الإغلاق خلال أسبوعين، فستسجل الأسواق “عثرة تقنية” يعود بعدها معظم النشاط. إذا امتد إلى خمسة أسابيع، فتظهر الندوب في الوظائف الموقتة، وتتأخر البيانات، وتراجع شركات السمسرة أطر الأخطار لديها. أما إذا تجاوز ذلك، فندخل منطقة إعادة تسعير أوسع: توقعات نمو أضعف للربع الرابع، شروط تمويل أكثر تشددًا للمقاولين، واحتمال انتقال العدوى إلى ائتمان استهلاكي في بعض الولايات الفيدرالية الطابع.

كيف نخرج؟ وصفة بسيطة… وتنفيذ صعب. الخروج معروف تقنيًا: قرار تمويل مؤقت “نظيف” أو تمويل قصير مشروط بخريطة تفاوض واضحة حول الرعاية الصحية. لكن “السياسي” يسبق “التقني”: يحتاج كل طرف إلى سردية يبيعها لقاعدته من دون أن يدفع ثمنًا انتخابيًا بعد أسابيع. لذلك، قد نرى جولات تصويت متتالية في مجلس الشيوخ، واستراحة، ثم استئنافًا بزخم أعلى. خمسة أصوات ديموقراطية إضافية تنهي الإغلاق… أو تنازل محسوب في آلية دعم الأقساط يفتح الباب لاتفاق سريع.

اقتصاد يقاس بالثقة لا بالساعات. يمكن لواشنطن أن تطفئ الأنوار ليلاً وتعيد تشغيلها صباحاً. ما لا تستطيع فعله هو تشغيل الثقة بزر واحد. في كل يوم إضافي من الإغلاق، يضيف المستثمر طبقة خوف إلى هامش الحذر، ويضيف رب العمل يومًا إلى حاسبة التأجيل. السؤال المفتوح بسيط ومقلق: هل يسبق صوت الحساب السياسي صوت الحساب الاقتصادي؟ أم تتقدم البراغماتية خطوة الآن لتمنع فاتورة أكبر غداً؟ في زمن الإغلاقات، الوقت ليس مالًا فحسب؛ الوقت… رأس مال.

أخبار سوريا الوطن١-وكالات-النهار

مشاركة المقال: