السبت, 27 سبتمبر 2025 09:29 PM

من إدلب: خطاب الرئيس الشرع يرسخ المدينة كرمز للوحدة الوطنية وإعادة الإعمار

من إدلب: خطاب الرئيس الشرع يرسخ المدينة كرمز للوحدة الوطنية وإعادة الإعمار

يمثل الخطاب السياسي أداة حيوية للتعبير عن رؤى القيادة حول القضايا الوطنية، ويعكس الظروف التاريخية والسياسية الراهنة. اكتسب خطاب الرئيس أحمد الشرع، خلال مشاركته في حملة "الوفاء لإدلب"، أهمية خاصة، ليس فقط لأنه أُلقي في مدينة عانت من الحرب والدمار وأصبحت ملجأ للنازحين، بل لأنه يحمل أبعاداً رمزية تتجاوز المكان نحو إعادة بناء المشروع الوطني السوري. اختيار إدلب كمنصة لهذه الرسائل يحمل دلالات تتعلق بالذاكرة الجماعية، والمصالحة الاجتماعية، والوحدة الشعبية كشرط أساسي للنهوض من الأزمة.

وصف الرئيس الشرع إدلب بأنها "الأم التي فاء إليها أبناؤها" و"سوريا مصغرة" يضعها في مكانة تتجاوز الجغرافيا إلى الرمز الوطني. لم تعد إدلب مجرد مدينة تعيش النزوح، بل تجسيد لتجربة السوريين، بمعاناتهم واحتضانهم. هذا التوصيف يرسخ صورتها كذاكرة جامعة تتسع لأبناء الوطن المختلفين.

إعلان "يوم الوفاء لإدلب" يكشف عن بعد تصالحي يهدف إلى إعادة الاعتبار للمدينة وسكانها، ومد جسور الثقة بين الدولة والمجتمع. دعوة الرئيس إلى "هدم آخر خيمة فيها" ليست مجرد تحسين للأوضاع المعيشية، بل دعوة لإنهاء الشتات واللجوء وبداية عهد الاستقرار. يهدف الخطاب إلى إعادة تشكيل الوعي الجماعي عبر تحويل الألم إلى فرصة للوحدة والأمل.

تشديد الرئيس الشرع على أن "وحدة الشعب السوري واجب لا مفر منه" يؤكد أن إعادة إعمار سوريا ليست مادية فحسب، بل مشروع وطني شامل يتجاوز الانقسامات. تتضح معادلة أساسية في الخطاب: لا إعمار بلا مصالحة، ولا مصالحة بلا وحدة. البناء المادي مرتبط بالبناء الرمزي للنسيج الاجتماعي المتضرر.

لم يخل الخطاب من بعد شخصي وعاطفي، حيث عبر الرئيس الشرع عن عشقه لإدلب رغم محبته لدمشق، مما يضفي طابعاً وجدانياً يلامس مشاعر الناس ويعزز صورة القيادة القريبة من همومهم. اختيار إلقاء الخطاب من إدلب بعد العودة من الأمم المتحدة يرمز إلى أولوية الداخل على الخارج، وأن الشرعية السياسية تستمد قوتها من التفاعل المباشر مع الشعب قبل أي اعتراف دولي.

لا يمكن قراءة خطاب الرئيس الشرع في إدلب في إطار احتفالي محدود، بل كإعلان عن رؤية سياسية ووطنية لإعادة رسم ملامح سوريا ما بعد الحرب. لقد جعل من إدلب رمزاً للذاكرة والوحدة، وأكد أن الوفاء لها يعني إنهاء المخيمات وفتح أفق العودة والاستقرار، وربط بين وحدة الشعب وإعادة الإعمار، واضعاً المصالحة الوطنية في قلب المشروع التنموي. يتميز الخطاب بلغة رمزية وعاطفية تزاوج بين السياسة والوجدان، وتستهدف بناء وعي جديد يقوم على تجاوز الماضي والانطلاق نحو مستقبل يتشارك فيه السوريون جميعاً، مؤسساً لسردية وطنية جامعة تعيد الثقة بين الشعب والدولة، وتفتح الطريق أمام مشروع سوريا الجديدة.

مشاركة المقال: