السبت, 27 سبتمبر 2025 12:22 AM

أزمة حليب الأطفال تشتد في رأس العين وتل أبيض: الأهالي يواجهون صعوبات وبدائل غير آمنة

أزمة حليب الأطفال تشتد في رأس العين وتل أبيض: الأهالي يواجهون صعوبات وبدائل غير آمنة

يشكو الأهالي في مدينتي رأس العين وتل أبيض، شمالي سوريا، من صعوبات بالغة في الحصول على حليب الأطفال المصنع، وذلك بعد انقطاع بعض الأنواع الأساسية وارتفاع أسعار المتوفر منها في الصيدليات والأسواق خلال الأسابيع الأخيرة.

أفاد عدد من الأهالي لـ "عنب بلدي" أنهم يواجهون مشكلة حقيقية في إيجاد الحليب المناسب لأطفالهم، حيث أن الأنواع المتوفرة حاليًا لا تتناسب مع الاحتياجات الصحية للأطفال، وخاصة أولئك الذين يعانون من حساسية أو مشاكل في الهضم.

يصل حليب الأطفال إلى مدينتي رأس العين وتل أبيض عبر طرق غير نظامية (تهريب) من مناطق سيطرة "قوات سوريا الديمقراطية" (قسد)، وتعتبر الحدود التركية المنفذ الوحيد للمدينتين إلى العالم الخارجي. يتوفر حليب أطفال مجفف مستورد من تركيا، إلا أن أسعاره مرتفعة أيضًا، حيث يبلغ سعر العلبة بوزن 400 غرام حوالي 85,000 ليرة سورية (ما يعادل نحو 7.8 دولار).

البدائل مكلفة

مع فقدان حليب الأطفال المحلي، اضطر معظم الأهالي إلى الاعتماد على الحليب التركي مرتفع الثمن، إذ يبلغ سعر العلبة 400 غرام منه أكثر من ضعف سعر العلبة السورية التي لا تتجاوز 42,000 ليرة، بينما يواجه الأطفال صعوبة في التكيف مع مذاقه وتركيبته المختلفة.

اعتادت مرام العبود من مدينة تل أبيض أن تعطي طفلتها ذات الثمانية أشهر حليبًا من نوع "نان"، المعروف بجودته ومذاقه المناسب للأطفال، لكن بسبب التضييق على المعابر، لم تعد تصلهم إلا كميات قليلة ونادرة من حليب الأطفال، ما اضطرها للبحث عن بدائل. وأوضحت أنها لجأت لاستخدام حليب تركي المنشأ يبلغ سعر العلبة منه (400 غرام) نحو 85,000 ليرة سورية، ومنذ تناول الحليب الجديد لم يتوافق مع طفلتها، وأصيبت بحالة من الإسهال المزمن نتيجة عدم اعتيادها عليه. وطالبت بتوفير حليب الأطفال بشكل منتظم في الأسواق وبأسعار تتناسب مع قدرة الأهالي على شرائه.

اضطر مصطفى العزيز، من مدينة رأس العين، لإعطاء طفله البالغ خمسة أشهر حليب البقر، بعد انقطاع حليب الأطفال وارتفاع أسعاره، لأنه لم يتمكن من شراء الحليب المستورد من تركيا. في البداية، لم يلاحظ مصطفى أي تغيير في صحة ابنه، لكن بعد عشرة أيام بدأ الطفل بالتقيؤ بشكل شديد، مما اضطره لنقله إلى المستشفى. وأوضح مصطفى أنه بعد فحص الأطباء، اكتشفوا إصابته بالتهاب الأمعاء التحللي الناتج عن عدم تحمّله لحليب البقر، مما أجبره على الاستدانة لشراء الحليب القادم من تركيا، على أمل أن يعود الحليب المحلي إلى رأس العين ويُتاح له مجددًا بأسعار مقبولة.

ويعتبر الحليب البقري خطرًا جدًا على صحة الأطفال الرضع، وبحسب الأكاديمية الأمريكية لطب الأطفال، فإن تركيز البروتين العالي الموجود في هذا النوع من الحليب ربما يؤدي إلى التهاب أمعاء الطفل، أو إلى نزيف في البطانة المعوية. ولا يحوي الحليب البقري كميات حديد كافية للطفل، وهو ما يمكن أن ينتج عنه حدوث فقر الدم، وأحيانًا تكون الأعراض أكثر خطورة وتتسبب بموت الرضيع.

أسعار مرتفعة وإتاوات

صاحب مستودع للأدوية في تل أبيض ورأس العين، عبد الله الحجي، قال لـ "عنب بلدي"، إن ارتفاع أسعار حليب الأطفال في المدينتين يعود بشكل رئيس إلى انقطاع بعض الأصناف المحلية الأساسية وصعوبة إدخال المواد المهمة عبر طرق التهريب، مثل حليب الأطفال والأدوية. وبيّن أن أغلب المواد القادمة إلى المنطقة تمر عبر مناطق الرقة والحسكة، حيث تفرض "قسد" إتاوات تصل إلى 70% على دخول المواد الأساسية، بما فيها الحليب. وأوضح الحجي أن الحليب التركي متوفر في المنطقة، لكنه بأسعار مرتفعة وغير مرغوب فيه لدى السكان لعدم اعتيادهم على المنتجات التركية.

مخاطر صحية

الطبيب العام في مدينة رأس العين أبي النعيم، قال لـ "عنب بلدي"، إن العشرات من الأطفال يراجعون العيادات والمستشفيات بشكل دوري، ويعانون من نقص الوزن والجفاف والإسهال المزمن، خاصة أولئك الذين لم يحصلوا على الحليب الصناعي المناسب لأعمارهم. وأوضح أن هذه الحالات غالبًا ما تنتج عن اعتماد العائلات على الحليب البقري أو الأرز أو بدائل غير متوازنة كحلول مؤقتة بديلة عن الحليب الصناعي، ما يؤدي إلى نقص البروتين والفيتامينات الضرورية لنمو الأطفال. وأشار إلى أن نقص العناصر الغذائية الأساسية يؤثر على تطور الكتل العضلية والعظمية للطفل، ويزيد من خطر الإصابة بسوء التغذية المزمن، ويضعف جهاز المناعة، مما يجعل الطفل أكثر عرضة للأمراض المعدية والجفاف.

ولفت الطبيب إلى أن الحليب التركي متوفر في المنطقة وعالي الجودة من الناحية الغذائية، لكن عدم اعتياد الأطفال عليه وارتفاع أسعاره أبعد الأهالي عن استخدامه. وحذر من أن استمرار استخدام بدائل غير مناسبة قد يؤدي إلى مضاعفات صحية خطيرة، تصل أحيانًا إلى الوفاة، داعيًا الأهالي إلى الالتزام بالحليب الصناعي الملائم لمراحل نمو الطفل ومراقبة صحته بشكل دوري.

واعتبرت "يونيسف" أن ارتفاع الأسعار وعدم كفاية الدخل في سوريا، يجعلان ملايين العائلات تكافح لتغطية نفقاتها في ظل أزمة اقتصادية غير مسبوقة، إذ يعيش 90% من السكان السوريين تحت خط الفقر، ما يؤثّر سلبًا على نظام أطفالهم الغذائي وعدم قدرتهم على تأمين احتياجات الأطفال.

مشاركة المقال: