تشهد تقنيات التكنولوجيا العصبية (Neurotech) تطورات متسارعة تفتح آفاقًا واسعة في مجالات الطب والعلوم، بدءًا من مساعدة مرضى الشلل على التحكم بالأجهزة وصولًا إلى تحسين جودة النوم ودعم العلاجات النفسية. ومع ذلك، يثير هذا التقدم مخاوف متزايدة بشأن الخصوصية وأمن البيانات وإمكانية استغلالها بطرق غير مشروعة، خاصة مع الأجهزة المتصلة بالدماغ والإنترنت.
أكد الدكتور إسلام محمد سرور، المستشار القانوني والاجتماعي والخبير في القانون الدولي والأمن السيبراني والذكاء الاصطناعي، في حديثه لـ"النهار"، أن هذه التقنيات تحمل وعودًا علاجية مهمة، لكنها في الوقت نفسه تطرح تحديات أمنية وأخلاقية معقدة تتطلب الحذر والتنظيم.
يرى الدكتور سرور أن أهمية هذه التكنولوجيا تكمن في دورها في مراقبة النشاط العصبي، واستعادة الحركة، وعلاج الأمراض العصبية، والمشاركة في العلاجات النفسية. إلا أن اعتمادها على تقنيات متقدمة لفك شيفرة اللغة العصبية والتطورات التي تسعى إليها الشركات المطورة قد يؤدي إلى مخاطر كبيرة تتعلق بأمن البيانات والخصوصية، وعلى رأسها القرصنة الدماغية أو ما يُعرف علميًا بـ Brainjacking، الأمر الذي يستدعي تنظيمًا قانونيًا وأخلاقيًا مناسبًا.
يشرح الخبير أن خطورة هذه التقنية تكمن في قدرتها على مراقبة عمل الخلايا العصبية واستجابتها للمؤثرات الحسية، مما يسمح بالتعرف على السلوك البشري أو التنبؤ به والتحكم به عبر البيانات التي تجمعها الأجهزة. وفي حال اختراقها، سواء كانت خارجية أم مزروعة، يمكن تصور سيناريوهين:
الأول: تسريب بيانات شخصية دقيقة عن سلوك الفرد وحالته الصحية، مما يفتح الباب أمام استغلالها ضده.
الثاني: وهو الأكثر خطورة، يسمح بالتحكم المباشر بالجهاز وبث نبضات عصبية تغير الحالة النفسية للشخص وتوجه ردود أفعاله، بل قد تدفعه إلى ارتكاب أفعال تحت تأثير هذا الاختراق.
وعن الجانب القانوني، يوضح الدكتور سرور أن بعض الدول التي سنت تشريعات لحماية البيانات الشخصية وجرمت الدخول غير المشروع إلى الأجهزة والشبكات، وفرت مظلة مبدئية للتعامل مع هذه التهديدات. فالمؤشرات العصبية والحسية تُعد بيانات شخصية يحميها القانون، وأي تسريب أو تلاعب بها من طرف المطور أو المصنع يعتبر جريمة. لكن الفجوة التنظيمية ما زالت قائمة، خصوصًا على المستوى الدولي حيث يفتقر العالم إلى إطار موحد للتعامل مع هذه البيانات.
يشدد الدكتور سرور على أن مسؤولية الشركات المصنعة أساسية في هذا السياق، فهي مطالبة منذ البداية بتبني أعلى معايير الحماية، من تشفير متقدم وتحديثات أمنية دورية، إلى حوكمة صارمة لإجراءات الأمن السيبراني وخطط استجابة محكمة لأي محاولة لاختراق الأجهزة أو تسريب بياناتها. فالأجهزة العصبية ليست مجرد أدوات صحية أو ترفيهية، بل خزائن مفتوحة تحتوي على أكثر ما يملكه الإنسان حساسية: دماغه.
أما على المستوى الأخلاقي، فيرى أن التحدي لا يقتصر على مواجهة القراصنة، بل يمتد إلى منع الحكومات والشركات من استغلال هذه البيانات للمراقبة أو التلاعب بسلوك الأفراد من دون موافقة مسبقة. فالمخاطر الحقيقية تكمن في تحويل هذه التقنيات إلى أدوات للسيطرة على القرارات ومتابعة المواطنين، وهو ما يشكل تهديدًا جوهريًا للخصوصية والحرية الفردية حتى مع وجود نصوص دستورية تحمي هذه الحقوق.
ويخلص الدكتور سرور إلى أن المستقبل يحمل وعودًا كبرى لهذه التكنولوجيا في علاج الأمراض وتحسين نوعية الحياة، لكنه في الوقت نفسه يرسم ملامح تحديات أمنية وأخلاقية لا يمكن تجاهلها. وضمان أمن وسلامة هذه الأجهزة لن يكون مجرد خيار، بل شرطًا أساسيًا لمستقبل يحترم كرامة الإنسان وحريته.