الأحد, 21 سبتمبر 2025 08:20 PM

خطف النساء: جريمة ممنهجة تكشف عن طبيعة هيكلية في مناطق النزاع

خطف النساء: جريمة ممنهجة تكشف عن طبيعة هيكلية في مناطق النزاع

إن قضايا لمى قنوت ورهام قنوت رفاعي ليست مجرد حوادث فردية. إن خطف النساء والفتيات وإخفاء آثارهن في أوقات النزاعات وما بعدها يمثل ظاهرة ممنهجة ذات أنماط متوافقة ومنتشرة على نطاق واسع عالميًا وعبر التاريخ. هذه الظاهرة مرتبطة بالعنف المبني على النوع الاجتماعي والعنف الجنسي، وتعتبر انتهاكًا صارخًا لحقوق الإنسان. من الصعب إحصاء هذه الجرائم بأرقام دقيقة وشاملة بسبب طبيعتها، وهيكلة النظام الأبوي بتجلياته وسياقاته المتنوعة، والتطبيع مع العسكرة والسلطوية والعنف، مما يؤدي إلى نقص في الإبلاغ، ووصم الضحايا والناجيات، وإنكار الحقائق، ومحو مؤسسي للجرائم. ومع ذلك، تُظهر جهود التوثيق الحثيثة في سياقات مختلفة، بما في ذلك سوريا على مدى عقد ونصف، أرقامًا تكشف عن طبيعة هيكلية لهذه الظاهرة.

قانونيًا، يمكن تصنيف هذا النوع من الجرائم كإخفاء قسري إذا كانت الدولة مسؤولة عن الاختطاف، وذلك حسب التعريف التالي: "الاعتقال أو الاحتجاز أو الاختطاف أو أي شكل من أشكال الحرمان من الحرية يتم على أيدي موظفي الدولة، أو أشخاص أو مجموعات من الأفراد يتصرفون بإذن أو دعم من الدولة أو بموافقتها، ويعقبه رفض الاعتراف بحرمان الشخص من حريته أو إخفاء مصير الشخص المختفي أو مكان وجوده، مما يحرمه من حماية القانون". في بعض الحالات، ينطبق التعريف على انتهاكات ترتكبها جهات غير مرتبطة بالدولة، بشرط أن تكون لديها القدرة على ارتكاب انتهاكات واسعة النطاق أو منهجية. الإخفاء القسري جريمة ترقى إلى جريمة ضد الإنسانية.

في حالات أخرى، يمكن تصنيف جرائم الخطف تحت جريمة "الاتجار بالبشر"، والتي تُعرَّف بحسب بروتوكول "UN TIP" بأنها: "تجنيد أشخاص أو نقلهم أو تنقيلهم أو إيواؤهم أو استقبالهم بواسطة التهديد بالقوة أو استعمالها أو غير ذلك من أشكال القسر أو الاختطاف أو الاحتيال أو الخداع أو استغلال السلطة أو استغلال حالة استضعاف، أو بإعطاء أو تلقي مبالغ مالية أو مزايا لنيل موافقة شخص له سيطرة على شخص آخر لغرض الاستغلال. ويشمل الاستغلال، كحد أدنى، استغلال دعارة الغير أو سائر أشكال الاستغلال الجنسي، أو السخرة أو الخدمة قسرًا، أو الاسترقاق أو الممارسات الشبيهة بالرق، أو الاستعباد أو نزع الأعضاء".

بنية تحتية خصبة

تنشأ في حالات النزاع وسياقات الفساد السياسي المركب أو الحكم الاستبدادي، بنية تحتية تسمح بارتكاب جرائم الخطف على نطاق واسع، حيث يُستهدف أفراد المجتمع بناءً على تصنيفات ديموغرافية وسياسية وظرفية. في إطار الاتجار بالبشر، يشير تقرير "مكتب الأمم المتحدة المعني بالمخدرات والجريمة" لعام 2022، والذي جمع إحصاءات من أكثر من 141 دولة، إلى أن النساء لا يزلن الهدف الرئيس لهذه الجريمة، حيث إن 42% من الضحايا الذين تم اكتشافهم في عام 2020 كانوا من النساء، و18% من الفتيات، اللواتي يستهدفن للاتجار الجنسي في أغلب الأحيان، و17% من الفتيان، و23% من الرجال.

تتجسد هذه البنية التحتية في مسارات ومستويات مترابطة من الأطر القانونية والقضائية التي تضفي طابعًا مؤسسيًا للإفلات من العقاب، والأجهزة الأمنية وقوى الأمر الواقع التي تتحول إلى أطراف فاعلة في الجريمة، والأنظمة الإدارية التي تمحو الضحايا من الاعتراف الرسمي، والمؤسسات الاجتماعية، بتعريفها الواسع، التي تطبع مع الهشاشة المُجَندرة والعنف المبني على النوع الاجتماعي والعنف الجنسي. وتستمر الجرائم في بيئات ما بعد النزاع، وتتكيف مع المستجدات على الأرض.

السياق السوري

خلال السنوات الـ 15 الماضية، ظهرت أنماط مختلفة من خطف الأفراد، حيث تفشت ظاهرة الخطف لطلب الفدية كجريمة منظمة، واقترن خطف النساء والفتيات مع جرائم مركبة أخرى. في إطار الإخفاء القسري، قدرت "الشبكة السورية لحقوق الإنسان" عدد المُغيبات قسرًا على يد نظام الأسد بـ 5,742 امرأة، والأطفال بـ 2,329 طفلًا وطفلة، و6712 امرأة وفتاة على يد أطراف النزاع والقوى المسيطرة الأخرى منذ آذار 2011 حتى آب 2024.

برز الاتجار بالبشر في السياق السوري في عدة صور، منها التجنيد القسري للأطفال والطفلات من قبل فصائل المعارضة وقوى الأمر الواقع، وشبكات التسول واستغلال أطفال وطفلات الشوارع، وشبكات الاتجار الجنسي والتي كان أبرز ما اكتُشِف منها شبكة "شي موريس" و"سيلفر–بي" في لبنان، حيث احتُجِزت 75 امرأة، أغلبهن لاجئات سوريات في لبنان أو نساء تم استدراجهن من سوريا عبر وعود بفرص عمل أو زواج، وبعد استقدامهن أُجبرن على العمل بالدعارة، وتعرضت بعضهن للإجهاض القسري والتعذيب لدرجة التشويه الجسدي.

أما عن ظواهر أخرى مقبولة في بعض الأوساط المحلية، لكنها قد ترقى لجريمة اتجار بالبشر، فنذكر ظاهرة تزويج القاصرات، إذ إن العوامل المُحددة لتصنيف هذا الانتهاك لحقوق الطفل بجريمة اتجار بالبشر حسب "مكتب الأمم المتحدة المعني بالمخدرات والجريمة"، تتطلب النظر في ظروف الهشاشة المحيطة بالحالة، والعنف والإساءة والقيود على الحركة والعزلة عن العائلة والأصدقاء التي يفرضها الزوج أو أسرته، وعوامل أخرى تجعل من هذا النوع من الزيجات، حتى وإن كانت بموافقة الأهل، شكلًا من أشكال الاستغلال الجنسي والعمل المنزلي بالسُخرة. وهنا تجدر الإشارة إلى انتهاكات تنظيم "داعش" الذي أجبر عوائل على تزويج بناتهن لمقاتلين، واختطف إيزيديات من سنجار، ونقلهن إلى سوريا، واحتجزهن ضمن ظروف استعباد وعبودية جنسية، وباعهن في "أسواق للعبيد أو سوق للسبايا"، وبعضهن لم تتجاوز التاسعة من العمر.

لم يتوقف خطف النساء والفتيات بعد سقوط نظام الأسد، فمنذ شباط الماضي، أعلن خبراء من الأمم المتحدة عن 35 امرأة وفتاة علوية تم التبليغ عن اختطافهن في وضح النهار، تتراوح أعمارهن بين 3 و40 عامًا، وفي العديد من الحالات تم تهديد أسرهن وثنيهم عن متابعة التحقيقات أو التحدث علنًا، وشملت الانتهاكات القائمة على النوع الاجتماعي، تهديدات، وتزويجًا قسريًا للقاصرات، وتعرض بعضهن للتخدير والاعتداء الجسدي في أثناء فترة الاحتجاز، وامتدت جرائم الخطف إلى محافظة السويداء خلال الهجوم المسلح عليها في 13 من تموز الماضي، والاشتباكات التي اندلعت فيها، ولا يزال مصير عدد من النساء الدُرزيات مجهولًا حتى الآن.

يعكس استمرار جرائم خطف النساء والفتيات انتهاكًا لحقوقهن وكرامتهن، وتقويضًا لعدد من المواد الواردة في الإعلان الدستوري، كالمادة "12" التي نصت على دور الدولة في حماية حقوق الإنسان، والتزامها بجميع الاتفاقيات والمعاهدات والمواثيق التي صدقت عليها، والمادة رقم "18" التي نصت على دور الدولة في منع الاختفاء القسري والتعذيب المادي والمعنوي، والمادة "21" التي تنص على دور الدولة في حماية مكانة النساء والفتيات الاجتماعية وصون كرامتهن وأدوارهن وحمايتهن من كل أشكال العنف والقهر والظلم.

إن إنكار هذه الجرائم منذ بداية العام، وتمييع الرواية حولها، وتجاهل السلطة الانتقالية إجراء تحقيقات شفافة، وتيسير جهود التوثيق والاستقصاء المستقلة حول خطف النساء والفتيات بشكل عام، وخطفهن بناء على هوياتهن الطائفية بشكل خاص، يعزز من استمرار الجرائم، ويعطي الغطاء السياسي للبنية التحتية التي تمكّن من حصولها، ويوطد ثقافة الإفلات من العقاب كسِمَة للمرحلة الانتقالية، ويزيد من الشرخ المجتمعي خصوصًا في حالات الخطف على أساس طائفي.

مشاركة المقال: