الأحد, 21 سبتمبر 2025 04:20 PM

تبرعات شعبية في سوريا: هل تعكس صمود المجتمع أم فشل الدولة؟

تبرعات شعبية في سوريا: هل تعكس صمود المجتمع أم فشل الدولة؟

عنب بلدي – محمد كاخي – في مشهد يعكس التحديات الاقتصادية والاجتماعية في سوريا، برزت حملات التبرع الشعبية كمبادرات مجتمعية تهدف إلى سد النقص في الخدمات الأساسية. ففي 13 آب الماضي، نظمت محافظة حمص ووزارة الثقافة، بالتعاون مع فريق "ملهم التطوعي"، مؤتمر "أربعاء حمص"، لعرض مشاريع تنموية قابلة للتمويل في قطاعات المياه والتعليم والخدمات العامة. تبع ذلك حملات مماثلة في درعا ودير الزور، ولاحقًا في ريف دمشق وإدلب.

نجحت هذه الحملات في جمع عشرات ملايين الدولارات، وبدأت بعض المنظمات ورجال الأعمال الذين تبرعوا خلالها بتنفيذ مشاريع خدمية في المحافظات، مثل حفر الآبار وتأهيل المدارس والبنى التحتية للصرف الصحي. وعلى الرغم من أن هذه الحملات انبثقت عن عمل فرق تطوعية مستقلة، إلا أنها حظيت بدعم حكومي واسع، تجسد في التنظيم والإشراف وحتى التبرع، مما يبرز أهمية العمل المجتمعي في دعم جهود التأهيل وسد النقص الحاصل.

اعتراف بصعوبة الواقع الاقتصادي

حملة "أربعاء حمص" كانت فكرة لفريق تطوعي يحمل الاسم نفسه، بينما حملة "أبشري حوران" كانت حملة خدمية مجتمعية تطوعية أشرفت عليها الحكومة، ومثلها حملة "دير العز". ويرى المدير العام للخدمات المصرفية الخاصة لإدارة الشرق الأوسط في بنك "ستاندرد تشارترد"، نبال نجمة، أن التوجه الحكومي لهذه الحملات هو اعتراف غير مباشر بالواقع الاقتصادي الصعب، إذ يهدف هذا النشاط إلى تعزيز التكافل الاجتماعي، وتنويع الموارد المالية اللازمة لتغطية تكاليف إعادة الإعمار، والتي تتطلب تضافر الجهود الحكومية والشعبية.

وقال نجمة في حديث إلى عنب بلدي، إن هذه الحملات تنسجم مع خطاب الاعتماد على الذات الذي تروج له الحكومة، وتقدم دليلًا على صمود المجتمع وقدرة الشعب السوري، في الداخل والخارج، على تمويل نفسه بنفسه. في المقابل، يرى رئيس منتدى الاقتصاديين العرب، سمير العيطة، أن الدولة فشلت في دعم المواطنين ورعاية المشاريع التنموية، وبالتالي توجه المواطنون للحملات الشعبية، وأن الدولة السورية استثمرت هذه الحملات إعلاميًا فقط.

وقال العيطة لعنب بلدي، إن هذه التحركات لها دلالتها، وهي أن المجتمع يحتاج إلى مؤسسات دولة قريبة منه لتأمين حياته، ومن المهم أن تأخذ هذه التحركات طريقًا مؤسساتيًا، أي أن توضع التبرعات المجمّعة، أو أي معونات خارجية، في ميزانيات المجالس المحلية، وتتم مراقبة صرفها وتنفيذ الأولويات، لا أن تكون وسيلة للنفوذ المباشر أو عبر "جمعيات". بينما يرى الأكاديمي والباحث في السياسات العامة عبد المنعم حلبي، أنه لا يمكن اعتبار ما حصل في هذه الحملات توجهًا حكوميًا، وأن دور الحكومة في هذه الحملات يتمثل فقط في إطار صندوق التنمية السوري، وذلك مرتبط بطبيعة التمويل الذي يقوم عليه هذا الصندوق.

حلول إسعافية ودعم للمشاريع الصغيرة

كانت الأهداف المعلَنة لهذه الحملات الشعبية تنمية المناطق التي أُقيمت فيها، ورفع جودة الخدمات المقدمة في هذه المناطق، أو إعادة بنائها من الصفر، مثل تأهيل البنى التحتية، وحفر وتأهيل آبار مياه الشرب، وتأهيل المدارس والطرقات وغيرها من الخدمات. ويرى الأكاديمي والباحث في السياسات العامة عبد المنعم حلبي، أن تأثير هذه الحملات سيكون إسعافيًا لمعالجة بعض الاحتياجات الضرورية المرتبطة بإعادة تأهيل البنية التحتية والمدارس والمنشآت الصحية، إلا أنه لا يمكن الاعتماد عليها في التأسيس لمرحلة إعادة الإعمار، إلا في حال توفر دعم خارجي ملموس أو دوران عجلة الإنتاج ونهوض الاقتصاد بصورة تؤدي إلى قيام القطاع الخاص بدعم صندوق التنمية السوري ومنظمات المجتمع المدني.

وتابع حلبي أن أهم ما يمكن تقديمه في المرحلة الأولى هو دعم المشاريع الصغيرة ومتناهية الصغر، مثل بعض المهن والحرف، وإعادة تأهيل الأراضي الزراعية. ويرى الدكتور في الاقتصاد ووزير المالية والاقتصاد السابق في "الحكومة السورية المؤقتة"، عبد الحكيم المصري، أن هذه الحملات تغطي الاحتياجات المستعجلة للمجتمعات، وتحسّن بعض القطاعات التي تحتاج إلى تأهيل مستعجل مثل القطاع التعليمي والصحي وقطاع المياه.

مدير عام الخدمات المصرفية في بنك "ستاندرد تشارترد"، نبال نجمة، أكد أن هذه الحملات تُحدث تأثيرًا اقتصاديًا إيجابيًا مباشرًا، خصوصًا في محافظات عانت من دمار كبير. وقال نجمة، إن تركيز هذه الحملات على إعادة تأهيل البنى التحتية في القطاعات الزراعية والخدمية والصناعية الصغيرة، وخلق فرص عمل فورية، وتحسين المستوى المعيشي للناس، هو ما يجعل أثرها إيجابيًا ومباشرًا. ولكن حملات التبرعات، التي هي بطبيعتها مؤقتة ومحدودة، و"تلفّها حالة العاطفة أو الفزعة"، ليست بديلًا عن سياسات التنمية المستدامة التي تهدف إلى زيادة الإنتاج، وتعزيز الاستثمار، وخلق موارد متجددة ومستقرة، وبحجم يلبي حاجات النهوض الاقتصادي الهائلة، بحسب نجمة.

أدوات منع غسل الاموال

شهدت حملات التبرع السابقة جدلًا أثاره تبرع ابني رجل الأعمال محمد حمشو، أحمد وعمرو، المعروف بقربه من نظام الأسد المخلوع، في فعالية صندوق التنمية السوري، وتبرع أحد قادة الفصائل السابقين بمبلغ 25 ألف دولار، وتبرع أحد المتهمين سابقًا بأنه ذراع للنفوذ الإيراني في شرقي سوريا، فرحان المرسومي، بمبلغ 200 ألف دولار في حملة "دير العز". وتصاعد الحديث في مواقع التواصل الاجتماعي عن عمليات غسل أموال تجري من خلال التبرع في هذه الحملات الشعبية، يصاحبها تجميل لصورة رجال ساعدوا الأسد المخلوع في حربه على الشعب السوري.

في هذا الشأن، يرى مدير عام الخدمات المصرفية في "بنك ستاندرد تشارترد"، نبال نجمة، أن التبرعات لم تكن كلها مشبوهة، فكثير منها أتى من أفراد عاديين أو مغتربين، أو من مؤسسات حكومية وغير حكومية معتبرة، إلا أن احتمال غسل الأموال في هذه الحملات يبقى واردًا، نظرًا إلى السياق التاريخي السوري الذي شهد نشاطًا اقتصاديًا غير مشروع خلال السنوات الماضية. ويشكل القلق الشعبي من حالات كهذه عنصرًا رقابيًا، ويمكن ضبط العملية إلى حد كبير عبر سن قوانين واضحة تحدد مَن يحق له جمع التبرعات، ومن يُشرف عليها، وكيف تُستخدم، وتعزيز الشفافية عن طريق إعداد كشوفات دورية، وتأمين رقابة مستقلة من ممثلين عن النقابات المهنية أو منظمات المجتمع المدني، أو الجهات الحكومية ذات العلاقة. وبذلك نضمن التحقق من مصادر التبرعات وطبيعتها وطرق تحصيلها، بحسب نجمة.

وعلى الدولة التحقق من مصادر الأموال بالتعاون بين مؤسساتها (وزارة المالية والمصرف المركزي)، والدول التي يقوم الأشخاص بالتبرع منها، لمنع غسل الأموال على حساب الناس، بحسب الدكتور في الاقتصاد عبد الحكيم المصري. ولا يعتقد الأكاديمي والباحث في السياسات العامة عبد المنعم حلبي، أن عمليات التبرع المشبوهة تأتي ضمن عمليات غسل أموال، وإنما ضمن تسويات معينة، ونوع من الدعم والتعويض الاجتماعي على الأغلب.

مشاركة المقال: