بعد مرور عقد على قرار المستشارة الألمانية آنذاك، أنجيلا ميركل، بفتح الحدود الألمانية أمام تدفق اللاجئين والمهاجرين، لا تزال ألمانيا تتصارع مع تداعيات هذا القرار الذي اتخذ في عام 2015. ففي ذلك الوقت، تدفق مئات الآلاف من الأشخاص إلى ألمانيا، الباحثين عن ملاذ آمن من الحروب الأهلية والظروف الاقتصادية الصعبة، وأعلنت ميركل عبارتها الشهيرة "Wir schaffen das" (بإمكاننا فعل ذلك)، والتي أصبحت رمزًا لـ "Willkommenskultur" (ثقافة الترحيب).
إلا أن هذه الثقافة واجهت تحديات كبيرة، واستغل حزب "البديل من أجل ألمانيا" اليميني المتشدد المشاعر المناهضة للهجرة ليصبح أكبر قوة معارضة في البلاد. وفي هذا السياق، أعلن المستشار فريدريش ميرز، عن تعديلات شاملة على سياسة الهجرة، بما في ذلك نشر المزيد من حرس الحدود وإعادة طالبي اللجوء على الحدود، وهي خطوة قضت محكمة في برلين بعدم قانونيتها.
ومع انهيار نظام بشار الأسد في سوريا نهاية عام 2024، دعا قادة حزب البديل من أجل ألمانيا، مثل أليس فايدل، السوريين في ألمانيا إلى العودة إلى بلادهم، معتبرين أنهم لم يعودوا بحاجة إلى اللجوء.
ووفقًا للمكتب الاتحادي للهجرة واللاجئين (BAMF)، سجلت ألمانيا 2.6 مليون طلب لجوء للمرة الأولى بين عامي 2015 و2024، غالبيتهم من سوريا وأفغانستان والعراق. وقد تصدر السوريون قائمة طالبي اللجوء خلال هذه الفترة. ورغم انخفاض الأعداد بعد عام 2016، إلا أنها عادت وارتفعت في عام 2022 بعد الغزو الروسي لأوكرانيا.
وتُظهر بيانات يوروستات أن ألمانيا استقبلت أكثر من ثلث طلبات اللجوء المقدمة في الاتحاد الأوروبي بين عامي 2015 و2024، حيث بلغ عدد الطلبات حوالي 8 ملايين. وقد ساهمت هذه الأرقام في تنامي المشاعر المناهضة للهجرة في ألمانيا وأوروبا.
ويرى خبراء ألمان، مثل دانيال ثيم وهانيس شامان، أن قرار ميركل بفتح الحدود كان مبنيًا على البراغماتية، نظرًا لعدم استعداد الدول الأوروبية الأخرى للمساعدة. ويعتقدون أن ألمانيا لم تكن مستعدة للأعداد الكبيرة من اللاجئين الذين وصلوا إلى البلاد.
ويشير ثيم إلى أن "ثقافة الترحيب" انتهت في بداية عام 2016، بعد اتهام المهاجرين بالاعتداءات الجنسية الجماعية في كولونيا. وقد أدى ذلك إلى زيادة الضغط على ميركل وسياساتها، وصعود حزب البديل من أجل ألمانيا.
ورغم أن ميرز اتخذ إجراءات للحد من الهجرة، إلا أن ثيم يرى أنها رمزية أكثر من كونها فعالة، نظرًا لأن قانون اللجوء أوروبي ولا يمكن للحكومة الألمانية تغييره بمفردها. ومع ذلك، فقد يكون لهذه الإجراءات تأثير على رغبة ألمانيا في الهجرة، حيث انخفض عدد طلبات اللجوء المقدمة من السوريين والأفغان في عام 2024 مقارنة بعام 2023، ويستمر هذا الانخفاض في عام 2025.