الإثنين, 15 سبتمبر 2025 06:03 PM

سوريا تسعى للتحول من الاقتصاد الريعي إلى الإنتاجي: خطة 2035 ومبادئ الإصلاح

سوريا تسعى للتحول من الاقتصاد الريعي إلى الإنتاجي: خطة 2035 ومبادئ الإصلاح

في لحظة مفصلية من تاريخ سوريا، يؤكد الخبراء على ضرورة التحول الهيكلي للاقتصاد الوطني. يوضح الخبير الاقتصادي والمصرفي الدكتور إبراهيم نافع قوشجي في تصريح لـ”الثورة” أن النموذج الريعي الذي ساد لعقود قد فشل في تحقيق العدالة والكفاءة، حيث اعتمد الاقتصاد السوري على شركات الأشخاص الساعية للربح السريع، مع إهمال أساليب الإدارة والإنتاج الحديث، وغياب المنافسة والشفافية، وتحول معظم الصناعات السورية إلى مجرد قطاع تعبئة للمواد الأولية المستوردة.

يشير قوشجي إلى أن غياب الحوافز الإنتاجية يؤدي إلى فقدان القدرة على خلق قيمة مضافة، وتراجع مساهمة الصناعة والزراعة في الناتج المحلي لصالح أنشطة ريعية غير مستدامة، بالإضافة إلى معاناة الاقتصاد من تقلبات الأسعار العالمية، وضعف إنتاج مستلزمات الزراعة محلياً، وارتفاع البطالة في بعض المناطق إلى أكثر من 50 بالمئة.

وعن المبادئ الأساسية للتحول الاقتصادي بعد الثورة، يكشف قوشجي أن المطلوب هو بناء اقتصاد حر يعزز تنافسية الأسواق المحلية، ويُصلح بيئة الاستثمار لتصبح أكثر شفافية وجاذبية، وهذا يتطلب إعادة توزيع الاستثمارات على القطاعات الإنتاجية كالصناعة والزراعة والطاقة، وتحقيق عدالة جغرافية في التنمية.

وفي معرض رده على سؤال حول حجم الاستثمار بين عامي 2010 و2024، يوضح الدكتور قوشجي أن الاستثمارات شهدت تراجعاً حاداً من نحو 2 مليار دولار عام 2010 إلى 43 مليوناً فقط عام 2024، وتراجعت الزراعة من 240 مليوناً إلى 5 ملايين، والصناعة من 500 مليون إلى 10 ملايين، والسياحة من 360 مليوناً إلى 4 ملايين، فيما حافظ قطاع الطاقة نسبياً على بعض الجاذبية (من 400 مليون إلى 13 مليوناً)، ويعكس هذا الانهيار أزمة ثقة عميقة وغياب استراتيجية وطنية واضحة.

وحول المراهنة على الشركات المساهمة كنموذج اقتصادي، يوضح قوشجي أنها لا تعبئ رأس المال فحسب، بل تخلق ثقافة مؤسسية حديثة، وتعزز الشفافية والمساءلة، وتطوير سوق دمشق للأوراق المالية سيعيد الثقة للمدخرين والمستثمرين، خاصة أن الحد الأدنى لرأس المال المطلوب للتأسيس ليس مرتفعاً (100 ألف دولار تقريباً).

ولجهة تقييم المشاريع الاستثمارية الأجنبية المعلنة حديثاً، يؤكد قوشجي أن حجمها بلغ نحو 14 مليار دولار، لكن معظمها ذو طابع إنشائي وفندقي، وليست إنتاجية، كما أن 65.5 بالمئة منها تركزت في دمشق وحلب وريف دمشق، ما يكرس الفوارق التنموية، ولتحقيق أثر اقتصادي فعّال، يجب إعادة توجيه هذه الاستثمارات إلى الزراعة والصناعة والطاقة، وربطها بهياكل شركات مساهمة عامة لضمان الشفافية وتوزيعها جغرافياً بشكل عادل.

وعن ملامح خارطة الطريق المقترحة للاقتصاد السوري، يوضح أن العنوان هو “سوريا 2035: من الريع إلى الإبداع”، ويتطلب ذلك صياغة أطر تشريعية جديدة، وتفعيل الشركات المساهمة العامة والخاصة لرصد المدخرات الوطنية وجذب الاستثمارات الأجنبية.

ويضيف: لا بد من تنشيط القطاع الصناعي كمحرك أولي للنمو، ودعم ريادة الأعمال عبر صناديق تمويل وطنية، وتسهيل تأسيس الشركات الناشئة، مع إصلاح النظام الضريبي والتمويلي ليكون أكثر عدالة. الرقمنة تفتح آفاقاً جديدة لتعزيز الشفافية وتسريع الإجراءات، فيما تضمن الشراكات بين القطاعين العام والخاص تنفيذ مشاريع إنتاجية كبرى تحقق توزيعاً عادلاً للفرص الاقتصادية عبر جميع المحافظات.

ويختم قوشجي بالتأكيد على أن الانتقال من اقتصاد ريعي هشّ إلى اقتصاد إنتاجي تنافسي ليس مجرد إجراء إداري أو قانوني، بل هو مشروع وطني شامل يستند إلى إرادة سياسية جريئة وإصلاح مؤسسي عميق، ونجاح هذا التحول يقاس بمؤشرات واضحة مثل مساهمة القطاعات الإنتاجية في الناتج المحلي ومعدلات التوظيف الصناعي. آن الأوان لسوريا أن تكتب فصلاً جديداً في تاريخها الاقتصادي، عنوانه: الإنتاج والكفاءة والعدالة المستدامة.

مشاركة المقال: