يعتبر حرف القاف من أقدم الأصوات في اللغة العربية، وهو حرف جهري شديد التفخيم، يعبر عن القوة بنبرة عالية.
القاف وعصر قوة الأمة العربية:
ارتبط حرف القاف بقوة الأمة العربية في أوج ازدهارها، خلال الحضارة العربية وعصر القرآن الكريم، والحضارة العباسية التي برزت في الفلسفة والطب والرياضيات. رافقت هذه المرحلة ألفاظ تعبر عن القوة مثل: الحق، القوة، القدرة، الطاقة. بالإضافة إلى الأفعال التي تتطلب قوة لتنفيذها: قطع، صعق، قلع، قلب.
القاف حرف يطمس دلالات الأحرف الأخرى المتآلفة معه لإعطاء المعنى المقصود، فهو بمثابة الرئيس بينها، كما في كلمات مثل: عقل، ثقة.
قِ هو فعل أمر مبني على حذف حرف العلة من آخره، وفعله الماضي وقى (اللفيف المفروق)، ومثله فِ وفى، شِ وشى، مِ ومى.. وعشرات الأفعال الأخرى.
انحدار الأمة العربية وتأثيره على حرف القاف:
مع انحدار الأمة العربية، بدأ حرف القاف يضعف حتى كاد يختفي من ألسنة أهلها، حيث يلفظونه بحرف علة كالهمزة التي طالما أهملها العرب، فتحولت كلمات مثل: الفضاء إلى الفضا، والسماء إلى السما. ومثال على ذلك، عندما نادى رجل الرسول محمد صلى الله عليه وسلم: يا نبيء الله (من النبأ)، فرد عليه الرسول: نحن قوم لا نهمز. قل: يا نبي الله.
مع انحدار الأمة، انحدر حرف قرآنها، فأصبحت الكلمات تتحول إلى: قطعَ أطعَ، قلبٌ ألب، قلم ألم، الرزق الرزء، السوق السوء، صَدَقَ صَدَأَ، الطارق الطارئ.
تهكم أحد مدعي المدنية الزائفة بالشاعر حامد حسن بسبب لفظه الفخم لحرف القاف، فرد عليه الشاعر سائلاً إياه: هل تستطيع قراءة الجملة الآتية: إنَّ الرسولَ بريقٌ من نورِ اللّهِ؟ فكانت اللعنة على هذا المتمدن في زمن الانحدار الحضاري العربي، حيث لم يجرؤ على لفظها بشكل صحيح، خشية أن تتحول إلى: إنّ الرسولَ بريء من نور اللًه (حاشاه).
يذكر أن أساتذة اللغة العربية في جامعة دمشق، مثل الدكتور مازن مبارك، الدكتور راتب النفاخ، والأستاذ سعيد الأفغاني (أستاذ النحو في بلاد الشام)، كانوا يضعون علامة الصفر لمن يخفف حرف القاف في كلمة (قال)، مؤكدين على ضرورة أن يملأ صدى القاف القاعة.
يكفي أن القرآن الكريم خصص سورة كاملة بعنوان سورة (ق)، تكرر فيها حرف القاف 57 مرة، وتكرر في سورة الشورى 57 مرة أيضاً، ليصبح العدد الإجمالي 114، وهو عدد سور القرآن الكريم.
ختاماً، لا تظلموا لغتكم ولا تهدروا دم حروفها، فالقاف حرف القوة، حرف القرآن، قاف التفخيم، قاف الاستعلاء، قاف الفم الملآن بالعزة والقوة والحضارة.
(اخبار سوريا الوطن ١-الكاتب)