الأحد, 14 سبتمبر 2025 08:38 PM

توسع شبكة الأنفاق التابعة لقسد في شمال شرق سوريا يثير قلق السكان

توسع شبكة الأنفاق التابعة لقسد في شمال شرق سوريا يثير قلق السكان

عنب بلدي – موفق الخوجة | عبادة الشيخ

تواصل "قوات سوريا الديمقراطية" (قسد) عمليات حفر مكثفة لشبكات الأنفاق في المناطق الخاضعة لسيطرتها شمال شرقي سوريا. تشهد مدينتا الرقة والحسكة استمرار أعمال الحفر في العديد من الأحياء السكنية، بعيدًا عن خطوط المواجهة العسكرية، مما أثار مخاوف الأهالي من حدوث انهيارات أرضية محتملة وتضرر أساسات المنازل.

تثير هذه العمليات تساؤلات حول دوافع استمرارها وتوسعها، خاصة في ظل الاتفاقية المبرمة في 10 من آذار الماضي بين الرئيس السوري في المرحلة الانتقالية، أحمد الشرع، وقائد "قسد"، مظلوم عبدي، والتي تنص على دمج الأخيرة في مؤسسات الدولة المدنية والعسكرية، مع التأكيد المستمر على مسار التفاوض ورفض الخيار العسكري.

مخاوف متزايدة من الانهيارات الأرضية

في مدينة الرقة، تتسع شبكة الأنفاق لتشمل مناطق حيوية مثل شارع المنصور، حي الفردوس، حارة الحسون، حي الرميلة، وحي سيف الدولة. وقد أدت أعمال الحفر المستمرة إلى ظهور تصدعات في الأبنية القديمة، مما جعل الأهالي يشعرون بخطورة البقاء في منازلهم.

أفاد الصحفي حسام عيسى، العامل في موقع "الرقة تذبح بصمت"، بأن أعمال الحفر تجري في قلب الأحياء المأهولة، وليس في مناطق التماس أو جبهات القتال. وفي ظل الصمت الرسمي، لجأ الأهالي إلى مبادرات مدنية وحملات إلكترونية للمطالبة بوقف الحفر وفتح تحقيق مستقل، إلا أن "قسد" لم تصدر أي بيان توضيحي حتى الآن.

أوضح عيسى لعنب بلدي أن "قسد" حفرت أنفاقًا تحت كل الشوارع الرئيسة تقريبًا، وبالقرب منها، بالإضافة إلى أنفاق تحت المباني الحكومية وأخرى بالقرب من نهر الفرات، وكذلك بالقرب من المناطق الأثرية مثل باب بغداد، مشيرًا إلى مدى انتشار هذه الظاهرة وخطورتها على البنية التحتية والتراث الثقافي للمدينة.

انتشار أوسع في الحسكة وسط تعتيم إعلامي

تعتبر الظاهرة في الحسكة أكثر انتشارًا، وسط تعتيم إعلامي وتضييق على الأصوات المعارضة للحفر. ورصدت عنب بلدي قلقًا متزايدًا لدى الأهالي، لكن التعبير عنه يكاد يكون مستحيلًا بسبب ما وصفوه بسياسة القمع التي تتبعها "قسد".

تواصل "قسد" حفر الأنفاق العسكرية بالقرب من مؤسسة المياه ومدرسة التمريض وسط مدينة الحسكة، مما يعرض حياة المدنيين للخطر ويستخدم المرافق الخدمية والتعليمية كدروع لأعمالها العسكرية، بحسب ما ذكرته سيدة من سكان الحسكة طلبت عدم نشر اسمها لأسباب أمنية. وأكدت أنه "لا يكاد يخلو شارع في الحسكة والقامشلي من أنفاق"، مشيرة إلى زيادة كبيرة في عمليات الحفر خلال الأشهر الثلاثة الأخيرة. أحد أطول الأنفاق يمتد من دوار القوتلي إلى دوار الخليج، وهما منطقتان مكتظتان بالسكان والنشاط التجاري.

هل هي استعدادات لحرب طويلة الأمد؟

يتساءل الأهالي عما إذا كانت هذه الأنفاق بمثابة تحضيرات لمواجهات مستقبلية، أم أن هناك أهدافًا أمنية داخلية غير معلنة. الباحث والصحفي في شؤون الشرق السوري، سامر الأحمد، يرى أن استمرار "قسد" في حفر الأنفاق داخل المدن، حتى تلك البعيدة عن خطوط التماس، يكشف أنها تتصرف بعقلية حرب طويلة المدى أكثر من سعيها إلى الاستقرار الذي كان من المفترض أن يتيحه اتفاق 10 من آذار.

تشتهر "قسد" والتشكيلات المنضوية تحتها، وعلى رأسها "وحدات حماية الشعب" (ypg) المقربة من حزب "العمال الكردستاني" (pkk)، بحفر الأنفاق الطويلة والمحصنة في مناطق سيطرتها، والتي تمتد إلى داخل المدن عبر شبكات معقدة، مزودة بأنظمة وتقنيات للتهوية والحماية. تمتد هذه الشبكات في كل منطقة إلى مئات الكيلومترات على الأقل. وكانت تركيا قد أعلنت في 11 من أيلول الحالي عن تدمير 593 كيلومترًا من الأنفاق في المناطق التي انسحبت منها عقب عمليات "فجر الحرية" في شمال وشرقي حلب، منها 236 كيلومترًا في تل رفعت و357 كيلومترًا في منبج.

كشفت وكالة "الأناضول" التركية في تقرير لها، نشرته في 5 من أيلول الحالي، أن "قسد" بدأت بحفر أنفاق وهمية ملغومة وغير صالحة للاستخدام، كتكتيك دفاعي في منطقة الطبقة بالرقة، وسد "تشرين" في حلب، وحوض نهر الفرات، والمناطق المحيطة بالحسكة.

تنقسم الأنفاق التي تستخدمها "قسد" إلى ثلاث فئات رئيسة، بحسب "الأناضول": أنفاق تُستخدم لمرور الأفراد، أنفاق واسعة بما يكفي للمركبات، وأنفاق تُستخدم كملاجئ وأماكن سكن ومراكز قيادة. الصحفي بصحيفة "الجارديان"، ويليام كريستو، الذي أجرى جولة في هذه الأنفاق، وصف المرافق تحت الأرض بأنها متطورة وواسعة بما يكفي لاستيعاب آلاف المقاتلين، مع أرضيات "مُبلطة" وفتحات تهوية تُدخل الأكسجين من أعلى الأرض، وشبكة إنترنت "واي فاي" تُمكّن القادة من توجيه تشكيلات المعركة براحة من غرف التحكم الواقعة على عمق عشرة طوابق تحت الأرض. وأضاف أن شبكة الأنفاق أتاحت لـ"قسد" تغيير تكتيكاتها للتكيف مع تهديد القوات الجوية التركية، إذ يتنقل مقاتلوها بين منشآت تحت الأرض، ثم يخرجون خلف خطوط المواجهة لتنفيذ هجوم، ثم يختفون مرة أخرى في أحد مداخل الشبكة الخفية العديدة.

"تعادي البيئة المحلية"

يرى الباحث الأحمد أن هذه الأنفاق لا تعكس فقط تحصينًا عسكريًا مستمرًا، بل تضر بشكل مباشر بالمدن وبحياة المدنيين، وتحول المناطق السكنية إلى ساحات محتملة للصراع، وهو ما اعتبر أنه يُظهر "عدائية واضحة" تجاه البيئة المحلية.

توضح حادثة وقعت بالقرب من منزل السيدة من سكان الحسكة حجم الأزمة، إذ قالت إن نوعية مياه بئر ماء قديمة يعتمد عليها الأهالي للأغراض المنزلية تغيرت وأصبحت ملوثة بروائح كريهة، وتبين لاحقًا أن خط صرف صحي انكسر بسبب الحفر، لكن لم تُتخذ أي إجراءات لإصلاح الضرر أو محاسبة المسؤولين. وسبق أن أدى حفر الأنفاق طوال السنوات الماضية إلى انهيار في الشوارع والأراضي بسبب نوعية الأتربة الهشة وعمليات الحفر غير المنظمة، مما يشير إلى أنها لا تستند إلى دراسات مسبقة لطبيعة الأراضي والمناطق التي يتم فيها الحفر. كما أدت هذه الانهيارات إلى وفيات وإصابات بين المدنيين والعمال الذين يعملون بحفر الأنفاق، وأغلبيتهم مدنيون لا ينتمون إلى "قسد" أو التشكيلات التابعة لها.

تتجاهل "قسد" تمامًا المخاطر المحتملة لهذه الأنفاق، التي قد تتسبب بـ"كارثة إنسانية" في الرقة بسبب هشاشة الأرض في كثير من المناطق، بحسب عيسى، مؤكدًا أنه "لا يتم سؤال الأهالي أو المنظمات الخدمية عن إنشاء الأنفاق"، مما يعكس "تجاهلًا كاملًا" لمسؤولية "قسد" تجاه السكان، وفق ما يراه الصحفي.

تعويضات لكوادر "قسد"

لا يقتصر الأمر على المخاطر البيئية والهندسية، بل يمتد ليشمل أبعادًا اجتماعية واقتصادية، إذ يروي سكان أن الحفر يتم عبر ما يشبه "السخرة"، حيث يتم استقطاب الفقراء والأكثر حاجة للعمل بأجور زهيدة لا تتجاوز ستة دولارات يوميًا. ورغم خطورة العمل، لا يحصل العاملون على أي تعويض في حال الإصابة أو دعم طبي، مما يزيد من استغلالهم في ظل ظروف اقتصادية صعبة.

بالمقابل، ذكرت صحفية تعمل في وسيلة إعلام مقربة من "قسد"، فضلت عدم الكشف عن اسمها أو مكان عملها لمخاوف أمنية، أن "قسد" عوضت أحد الكوادر بعد انهيار منزله بسبب الأنفاق المحفورة، وقامت ببناء منزل جديد أفضل من السابق كتعويض له. وأضافت أنها حالة وحيدة، إذ لم يسبق لـ"قسد" تعويض أشخاص آخرين تضرروا من الأنفاق.

من يقوم بالحفر؟

من حيث الجهة المنفذة، فالمؤشرات تؤكد أن القرار في جوهره مركزي من رأس قيادة "قسد"، وفق الباحث الأحمد، غير أن التنفيذ غالبًا ما يجري عبر كوادر مرتبطة بحزب "العمال الكردستاني"، بخبرتهم المعروفة في هذا النوع من التحصينات. ويرى أن استمرار الحفر يعكس خليطًا من توجه قيادي عام داخل "قسد" وضغط مما وصفه بـ"التيار القنديلي"، نسبة إلى جبل "قنديل" معقل حزب "العمال الكردستاني"، الساعي للإبقاء على البنية العسكرية في حالة جاهزية دائمة، حتى وإن جاء ذلك على حساب التفاهمات السياسية وحياة المدنيين.

تغيرت آلية الحفر خلال العامين الأخيرين، حيث أُسندت المهمة إلى متعهدين محددين، معظمهم من المكون الكردي من الجنسية التركية، أو العسكريين الموثوق بهم لدى "قسد"، وبعضهم لم يعد قادرًا على القتال. ووفق الصحفية العاملة في وسيلة الإعلام الموالية لـ"قسد"، فإن المسؤولين عن الملفات المالية ليسوا سوريين، وجميع الأموال في نهاية المطاف يتم تهريبها إلى خارج سوريا. هذا يؤكد انعدام الشفافية في الإدارة المالية لـ"قسد"، وعدم إشراك المجتمع المحلي في القرارات المصيرية، بحسب ما قالته الصحفية.

تلويح بالعمل العسكري

بالرغم من الاتفاق المبرم بين الحكومة و"قسد" في 10 من آذار الماضي، والذي تضمن أحد بنوده وقف إطلاق النار على كامل الأراضي السورية، يلوح كلاهما بالتصعيد العسكري في حال فشلت المفاوضات. ويتجه كلا الطرفين، على صعيد الخطاب الإعلامي، إلى التهدئة واختيار المسار التفاوضي، بينما ميدانيًا حصلت مناوشات واشتباكات محدودة خلال الأشهر الماضية في شرقي حلب ومحافظة دير الزور على سرير نهر الفرات، الفاصل بين مناطق سيطرة الجانبين.

صرح الرئيس السوري في المرحلة الانتقالية، أحمد الشرع، في مقابلة له على قناة "الإخبارية" الرسمية في 12 من أيلول الحالي، أن المفاوضات كانت تسير "بشكل جيد"، إلا أن هناك نوعًا من التعطيل أو التباطؤ في تنفيذ الاتفاق، وفق توصيفه. ولفت إلى أن الاتفاق مع "قسد" وضعت له مدة إلى نهاية العام، وأن دمشق كانت تسعى لأن تطبق بنود الاتفاق نهاية كانون الأول المقبل.

أكد الشرع أنه فعل كل ما يجنب مناطق شمال شرقي سوريا، التي تسيطر عليها "قسد"، الدخول في معركة أو حرب، مضيفًا أن الحكومة وافقت على دمج "قسد" في الجيش السوري، وأن الجانبين اتفقا على بعض الخصوصيات للمناطق الكردية. ووفق الشرع، "سوريا لن تتنازل عن ذرة تراب واحدة، وهذا قسم أقسمناه أمام الناس بوجوب حماية كل التراب السوري وأن تتوحد سوريا".

مشاركة المقال: